تهتم التربية الوالدية بنشر الوعي الثقافي بين الآباء والأمهات في تبنّي أساليب خالية من التسلط الذي يُؤدي تشكيل شخصية غير قادرة على التكيف مع متغيرات المجتمع، كما تهتم هذه التربية بمساعدة الوالدين على فهم القضايا والموضوعات التربوية المختلفة، وصقل المهارات والكفايات التربوية اللازم توافرها لديهم في تنشئة وتربية الأبناء.
وتشمل واجبات الوالدين- وَفْقَ هذه التربية- على توفير الحماية والرعاية اللازمة للأطفال وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وتعزيز التفاؤل لديهم وتحفيزهم على تعلّم القيم الإسلامية الصحيحة والأخلاق الحميدة، وإيجاد توازن بين الحرية والانضباط، وتشجيعهم على التفاعل الاجتماعي وتعليمهم مهارات التعاون والتفاهم مع الآخرين.
مفهوم التربية الوالدية للأطفال
وتُعرف التربية الوالدية بأنها عملية تربوية تهتم بتزويد الآباء والأمهات بالمعلومات والمعارف والمهارات اللازمة لتنشئة وتربية أطفالهم على أسس تربوية صحيحة، من خلال الأنشطة، والندوات، والمؤتمرات، ووسائل الاتصال الجماهيري بما يُؤثر في فعالية دورهم ويُحقق تلبية احتياجاتهم الوالدية واحتياجات أبنائهم.
والوالديّة مُشتقة من الفعل وَلَد يَلِدُ وِلَادة، ويُقال وَلَدتْ المرأة أي وضعت جنينها الذي كان في بطنها والوالد هو الأب؛ ومن ثمّ فإن الوالدية صيغة من صيغ النّسب تُشير إلى كل ما يتصل بالوالدين أو ينسب إليهما من أفعال أو تصرفات أو غيرها.
والوالدية تعني، كل ما يراة الوالدان أو يتصل بهما أو يؤديان دورًا فيه بدرجة أو بأخرى في أي مجال من المجالات التي يستخدم المصلح فيها علم النفس، وعلم التربية، وعلم الاجتماع، كما تعني أحد الوالدين أو مختص بأحد الوالدين.
وهي عملية التفاعل بين الوالدين والأبناء الذي يقتضي إتاحة الفرص للنمو المتكامل للفرد داخل الأسرة والإفادة مما يتاح من خبرات ومهارات وتقنيات الوصول بإمكانيات الفرد إلى أفضل مستوى ممكن.
أساليب التربية الوالدية
وتتعدد أساليب التربية الوالدية للأطفال وكل نمط أو أسلوب من أساليبها له تأثير واضح في تكوين الشخصية للأبناء، ومنها:
- الأسلوب التسلطي: وفيه يضع الوالدان قواعد وقوانين مشددة ويتوقّعان الطاعة العمياء من الأبناء، وفي هذا الأسلوب يستخدم العقاب البدني من الآباء وضعف إعطاء الأبناء فرصة المناقشة والحوار والتعبير عن الرأي، سواء بالموافقة أو الاعتراض، ويتبع الوالدان في هذا الأسلوب سياسة التحكم الكامل بحياة وقرارات الأبناء اليومية والتشدد في التعامل مع الأبناء والالتزام بما يأمرانهم به والإشراف المتواصل عليهم، ويؤثر هذا النمط في تشكيل شخصية الابن فينتج عنه ضعف شخصيته وشعوره بالذنب وكراهيته لذاته وتكوين شخصية اتكالية ضعيفة معتمدة على الوالدين.
- الأسلوب المتساهل: ويتسم هذا الأسلوب بغياب القوانين التي تحكم وتنظم سلوك الأبناء، كما أن سلوكيات الأبناء لا يجري تهذيبها وتوجيهها بما يناسب الذوق الاجتماعي، ففي هذا الأسلوب يكون الأبناء أحرارًا دون رقابة أو توجيه، ويلبي الآباء جميع رغبات وحاجات الأبناء ويكونون متساهلين معهم وقد ينتج عن هذا الأسلوب تأخر عقلي واجتماعي.
- الأسلوب المتسم بالحرية: وتتسم التّربية في هذا الأسلوب بالحرية والاحترام المتبادل بين الأبناء والوالدين، وتستند على احترام شخصية الابن وتنميتها من خلال منحه الحرية والاستقلال في الرأي والمناقشة في الأمور الأسرية، والمدرسية، والشخصية، واحترام مشاعره، وآرائه، والاستماع إليه حتى يتمكن من التعبير عن ذاته، ويتبنى الوالدان طرقًا وأساليب متجددة في التعامل مع الأبناء، وتشجيع صناعة القرار من الأبناء والانضباط السلوكي، وتشجيع الأبناء على التعبير عن آرائهم والمناقشة والحوار مما يُنتج أبناء قادرين على تحمل المسؤولية ولديهم قدرات إبداعية وهذا الأسلوب يعد أكثر مناسبة خاصة في ظل العصر الرقمي، حيث أصبح الابن فيه متفتحًا ومن ثم لا يستطيع تحمل الأسلوب التسلطي الضاغط عليه ولا الأسلوب المتساهل الذي يؤدي إلى الإهمال والضياع.
- الأسلوب الحازم (الواعي): وفيه يتواصل الأبناء مع أبنائهم بدفء في المشاعر، وتقدير متطلباتهم، في حـين تُراعى حدود وتوقعات ثابتة يُحاسـب فيها الأبناء علـى أفعالهم في مناخ غير عقابي يكتفون فقط بتوفير الحد الأدنى من أساسيات الحياة، مثل الغذاء والمسكن، ويتركون الأبناء يربون أنفسهم، ولا يفرض الآباء في هذا الأسلوب أي متطلبات على أبنائهم ولا يستجيبون لأي من مطالبهم، ولا يتدخلون نفسيا في حياتهم، ويكون ذلك بسبب انهماك الوالدين في العمل.
عقبات وتحديات
ويواجه الوالدان أثناء عملية التربية الوالدية مجموعة تحديات تُؤثر سلبًا وتقف عائقًا أمامهم في القيام برسالتهما تجاه أبنائهما، ولا بد من علاجها، ومن هذه التحديات:
- الافتقار إلى المرجعية السيكولوجية: تعد الصورة التي يكونها الوالدان عن سيكولوجية أبنائهما مرجعًا محددًا لأساليبهما التربوية؛ فكلما كانت هذه الصّورة مبنية على معطيات ومعارف سيكولوجية صحيحة أدت بصاحبها إلى الطريق الصواب فيسلك في تعامله مع أبنائه أساليب تربوية تتميز بالمرونة والدفء العاطفي وتستند إلى مرجعية سيكولوجية.
- اقتصار الوالدين على ممارسات تربوية تفتقر إلى الإشراف والتوجيه: ويحدث ذلك نتيجة غياب الوالدين عن البيت، نظرًا لظروف العمل أو إهمالهما للطفل، لذا لا بد من توفير وقت كافٍ للجلوس مع الأبناء في المراحل العمرية المختلفة، لغرس القيم الإيجابية في نفوسهم.
- ترجيح التربية الوجدانية على التربية المعرفية: بمعنى اختزال وظيفة الوالدين في التربية الوجدانية والسلوكية مع إهمال التربية المعرفية والتعليمية، ومن هنا يجب الاهتمام بهذا الجانب التربوي بعقد جلسات لقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقراءة الأحاديث النبوية الصحيحة، والسيرة النبوية، والكتب المفيدة.
- محدودية الكفاءة واختزالها عند كثير من الآباء في الكفاءة العاطفية: وبالتالي يحدث إهمال في باقي المواصفات الأخرى للكفاءة، مثل الصبر والمسؤولية، ومن الضروري عمل توازن بين الكفاءات المختلفة لتشمل العاطفة والصفات الأخرى.
طرق تزويد الوالدين بالخبرات التربوية
وإذا كان المزارع يحتاج إلى أبسط القواعد الزراعية ليحصد نتيجة غرسه بشكل طيّب، فإن التربية الوالدية تلعب دورًا شبيها في مد الآباء والأمهات بالخبرات العملية والمعرفة اللازمة، والقواعد التربوية، والمهارات السلوكية لممارسة عملهم التربوي بعيدًا عن العشوائية والأخطاء التي تُرتكب في حق الأبناء، ومن أبرز طرق تزويد الوالدين بهذه الخبرات ما يلي:
- الإنترنت: إذ من الممكن اكتساب الخبرات والتجارب بشأن طُرق تعامل الوالديْن مع أبنائهما، من خلال شبكة الإنترنت، وذلك بتصفح المواقع الإلكترونية التي تهتم بالموضوعات التربوية وطريقة تربية الأبناء تربية سليمة خالية من العشوائية والتشوهات المدمرة للنفس.
- طلب النصيحة من أصحاب الثقة: من الممكن اللجوء إلى أشخاص نثق فيهم لإعطائنا نصائح في مجال تربية الأبناء، لكن ننتبه إلى أن دورهم في الإرشاد فقط لا التدخل في شؤون الطفل.
- التواصل مع المربين: فمن الضروري أن يتواصل أولياء الأمور مع المعلمين والمربين للحصول على معلومات تتعلق بتحصيل الطفل، وسلوكه، وأدائه في الاختبارات، وميوله واهتماماته وغيرها، ويُمكن أن تتم عملية التواصل من خلال الزيارات المدرسية، أو الاتصالات الهاتفية، أو الرسائل والملاحظات.
- التطوع: وتشمل تطوّع أولياء الأمور في الأنشطة التي تُنظمها المدرسة، مثل: المساهمة في الاحتفالات، والمسابقات الرياضية، والرحلات، وتوفير الخبرات أو الدعم المادي.
- الإلمام بالأخطاء الشائعة في التربية: ويكون ذلك من خلال القراءة في الكتب التربوية والبرامج المتخصصة، ومتابعة خبراء التربية على وسائل التواصل الاجتماعي، والأهم من ذلك تطبيق النصائح وتغيير الأسلوب الخاطئ أولا بأول.
إنّ التربية الوالدية أداة فعالة في إرشاد الآباء والأمهات وتوجههم نحو الطريق السليم، بزيادة وعيهم بدورهم الحيوي في التربية ودعم، وتمكينهم من جعل حياتهم أكثر سهولة ورضا، وبالتالي منح الأبناء طفولة سعيدة ومستقبلًا مشرقًا، في ظل توجيهات حازمة ونزيهة ومتسقة وحدود واضحة.
مصادر ومراجع:
- إدوار إلياس: قاموس إلياس الجامعي عربي إنجليزي، ص 286.
- سعيد إسماعيل علي: التربية الوالدية رؤية إسلامية، ص 41 – 42.
- جابر محمود طلبة، مقدمة في التربية الوالدية، ص 89.
- سناء محمد سليمان: فن وأساليب تربية ومعاملة الأبناء الأطفال والمراهقين، ص 110.
- هشام الطالب، وعمر الطالب، وعبد الحميد أبو سليمان: التربية الوالدية.. رؤية منهجية تطبيقية في التربية الأسرية، ص 84.
- عائشة محمد علي: التربية الوالدية في المجتمع الليبي، ص 250.
- خلف محمد البحيري: التربية الاقتصادية الذاتية للأبناء مدخل لتطوير الوالدية من منظور إسلامي، ص 195-196.