تُعد التربية السليمة أساسًا لتنمية شخصية الأولاد وتشكيل سلوكياتهم واتجاهاتهم في الحياة، وهي من أهم حقوق الطفل على والديه، لأنها تُؤهله لبناء حياة ومستقبل على أسس سليمة تجعل منه إنسانا نافعًا لنفسه ودينه ووطنه.
والطّفل يُولد بعقلية قابلة للتربية والتعليم والتطور، ولا يتم ذلك إلا بالحب والاهتمام اللذان هما أساس كل علاقة صحيّة، بل وأساس القابلية للتعليم المستمر، والاستجابة للتوجيه، والدعم النفسي.
مفهوم التربية السليمة وأهدافها
وتُعرف التربية السليمة بأنها عملية شاملة وهادفة ترمي إلى تنشئة فرد سليم جسديًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، وقادر على التعامل مع متطلبات الحياة والتفاعل مع مجتمعه بإيجابية، وهي تربية تتعدى مجرد توفير الاحتياجات الأساسية للطفل، بل تشمل غرس القيم والأخلاقيات وتنمية المهارات والقدرات التي تُمكّنه من تحقيق ذاته وتطوير مجتمعه.
وقد أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أن التربية خير من الصدقة فقال: “لأن يؤدِّب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع” (أحمد والترمذي وأبو داود) كما أرشد إلى أن تعليم الولد الخُلُقَ الحسن أفضل من كل عطاء فقال: «ما نَحَل [أعطى] والدٌ ولداً أفضل من أدب حسن” (الترمذي) .
وقال ابن عمر- رضي الله عنهما-: “أدب ابنك فإنك مسئول عنه، ماذا أدَّبته؟ وماذا علَّمته؟ وهو مسئول عن برّك وطواعيته لك” .
ومن أهداف هذه التربية:
- التعلم الصحيح للقيم والأخلاق، مثل الصدق والاحترام والعدل والتعاطف مع الآخرين والاهتمام بمصلحة المجتمع.
- القدرة على تحمل المسؤولية: وتبني القرارات الصائبة، والمبادرة للقيام بأداء الواجبات.
- بناء العلاقات الإيجابية: وتطوير مهارات التواصل والتفاوض مع الآخرين.
- التعلم المستمر: فهي تشجع الأطفال على حب المعرفة والتعلم المستمر والسعي لاكتساب المعرفة وتطوير المهارات في المجالات المختلفة.
- تطوير الاستقلالية: والمساعدة على تطوير المهارات الذاتية واتخاذ القرارات الحكيمة بمفردهم.
- التحكم في العواطف: بفهم وإدارة المشاعر وتعليمهم كيفية التعامل مع الضغوط والتحديات العاطفية بطريقة صحية.
وسائل التربية السليمة للأطفال
ويحتاج المربي الناجح أن يتعلم وسائل التربية السليمة المستقاة من تعاليم الإسلام، وعليه أن يدرس عالم الطفولة؛ لأن لكل مرحلة قدرات واستعدادات نفسية وجسدية، وعلى حسب تلك القدرات يختار المربي وسائل زرع العقيدة والقيم التربوية وحماية الفطرة السليمة، وتتنوع وسائل هذه التربية لتشمل:
- الوعظ المباشر: فله أثر إيجابي في النفوس إذا تم بشكل لين، يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات: 55]، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعظ صحابته الكرام، فعن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- وَعَظَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ…. وفيه قال: أوصيكم بتقوى اللهِ، والسَّمعِ والطاعةِ، وإنَّ عبدًا حبشيًّا؛ فإنه مَن يَعِشْ منكم بَعْدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فإيَّاكم ومُحِدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّها ضلالةٌ، فمَن أدرَكَ ذلك منكم فعليه بسُنَّتي، وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ مِن بَعْدي، عَضُّوا عليها بالنواجِذِ” (رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).
- القصص: وقد شغلت حيزًا كبيرًا في كتاب الله- سبحانه وتعالى- وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم- لما لها من وقع على القلوب والنفوس، يقول سبحانه: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) [يوسف: 111].
- الوقائع والأحاديث: فالدنيا مليئة بالعبر والعظات، لكن القليل من يفكر ويعتبر ويستلهم الأساليب التربوية منها، يقول الله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف:105].
- التطبيق العملي: وهو من أفضل الوسائل للتربية السليمة، لذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتبع هذا الأسلوب مع الأطفال، من ذلك، ما رواه عمر بن أبي سلمة- رضي الله عنه- قال: “كنتُ غلامًا في حجْر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحفة، فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “يا غلام، سَمِّ الله، وَكُلْ بيمينك، وَكُلْ مما يَليك”؛ فما زالتْ تلك طِعْمتي بعدُ” (متفق عليه).
- الجلسة الأسرية: وهي مهمة- أيضًا- برغم غيابها عن كثير من الأسر، نظرًا لانشغال الوالدين عن الأبناء في العمل، لكنها إذا استغلت ولو لوقت قصير يوميًّا ستأتي بنتائج عظيمة في تربية الأولاد وسيرهم على الطريق الصحيح.
- الثواب والعقاب: ويكون الثواب لمن أحسن والتزم بالآداب والواجبات، والعقاب يكون لمن أساء، يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: “مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سنينَ واضربوهُم عليها وهمْ أبناءُ عشرٍ وفرِّقوا بينهُم في المضاجعِ” (أبو داود).
- المتابعة والملاحظة: المتابعة للابن في سلوكه وأصدقائه ومدرسته وغير ذلك، سواء مباشرة أو غير بطريق غير مباشر، وهذه مهمة تحتاج إلى فطنة وحكمة من الوالدين.
- شغل وقت فراغ الأولاد: ويكون بكل ما يفيدهم ويشغلهم عما يضرهم، من ذلك قراءة القرآن الكريم وحفظه، والسنة النبوية والسيرة والقصص، وتوفير بعض الألعاب المسلية غير المحظورة، ومشاهدة الأفلام الوثائقية التي تناسب أعمارهم.
- القدوة الصالحة: ومن أفضل وسائل التربية الإيجابية السليمة للطفل أن يجد من والديه قدوة صالحة، لأنه يقلدهم دائمًا.
- المناقشة: فهي من أقرب الوسائل لإقناع الطفل الذي يرتكب بعض المخالفات ويظن أنه على حق، لذا كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتبع أسلوب المناقشة والإقناع في كثير من الأحيان، من ذلك ما رواه أبو أمامة الباهلي- رضي الله عنه- قال: “إنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأقبَلَ القَومُ عليه فزَجَروه وقالوا: مَهْ، مَهْ! فقال: ادْنُهْ، فدَنا منه قَريبًا، قال: فجَلَسَ، قال: أتُحِبُّه لأُمِّكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأُمَّهاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لابنتِكَ؟ قال: لا واللهِ، يا رسولَ اللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لبَناتِهم، قال: أفتُحِبُّه لأُختِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لأَخَواتِهم، قال: أفتُحِبُّه لعَمَّتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم، قال: أفتُحِبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللهِ، جَعَلَني اللهُ فِداءَكَ، قال: ولا النَّاسُ يُحِبُّونَه لخالاتِهم، قال: فوَضَعَ يدَه عليه وقال: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قَلبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، قال: فلمْ يَكُنْ بعدَ ذلك الفَتى يَلتفِتُ إلى شيءٍ” (أخرجه أحمد والطبراني).
- الرسالة: وهي تجدي في حال لم تفلح الموعظة أو المناقشة، إذ من الممكن كتابة رسالة للابن تتضمن عبارات الحب والنصح والإشفاق والرحمة، وهو أسلوب مجرب ومفيد.
- الاستعانة بمربٍّ أو عالم: فهي وسيلة يمكن اللجوء إليها في حال لم تجدِ نصائح الأب في مرحلة ما من عمر الابن، فقد ذكر أبو نعيم في “الحلية”، أن امرأة جاءت إلى سفيان فشكت عقوق ابنها وقالت: يا أبا عبد الله، أجيئك به تعظه؟ فقال: نعم جيئي به، فجاءت به فوعظه سفيان بما شاء الله، فانصرف الفتى فعادت المرأة بعدما شاء الله فقالت: جزاك الله خيرًا يا أبا عبد الله، وذكرت بعض ما تحب من أمر ابنها ثم جاءت بعد حين فقالت: يا أبا عبد الله ابني ما ينام الليل ويصوم النهار ولا يأكل ولا يشرب، فقال: ويحك مم ذاك؟ قالت: يطلب الحديث، فقال: احتسبيه عند الله”.
- التخويف بالله عز وجل: فمن خاف الله- عز وجل- وعظَّمه فعل الطاعات وترك السيئات، يقول- صلى الله عليه وسلم: “مَن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة” (صحيح الجامع).
- الاهتمام بالأبناء أثناء الإجازة: فكثير من الآباء يهتمون بأبنائهم أثناء الدراسة وتزداد الأهمية أثناء الاختبار، لكن إذا جاءت الإجازة أهملوا ولسان حالهم نجح الولد والحمد لله، فليستمتع بإجازته، وعاش الابن فراغًا كبيرًا لا يجد من يوجهه ولا من يستثمر وقته فيما ينفعه.
- العدل: وهو مهم في تربية الأولاد، لذا كان السلف الصالح خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل.
إنّ التربية السليمة استثمار في المستقبل، فهي تبني أجيالًا قادرة على بناء مجتمعات أفضل، لكنها ليست كلمة تُقال ولا موعظة تُلقى وينتهي دور المربي عند هذا الحد، بل هي أوسع من ذلك وأشمل، فميدانها هو الحياة كلها بوقائعها وأحداثها وأفراحها وأحزانها في الحضر والسفر والصحة والمرض وكل لحظة يجد فيها المربي اللبيب مادته التربوية لأنه يتعامل مع نفس متغيرة وقلب متقلب ومؤثرات ومعوقات.
مصادر ومراجع:
- عبد الله بن سعد الفالح: وسائل التربية السليمة، ص 6-18.
- ابن القيم: تحفة المودود بأحكام المولود، ص 177.
- أبو نعيم: الحلية 7/ 65، 66.
- عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية، ص 175.
- ابن قدامة: المغني 5 / 666.
- موقع إدراك: أسس التربية السليمة.