لا شكّ أنّ حاجة الناس إلى الأخلاق أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، كما أنّ الحاجة إلى معرفة أسس التربية الأخلاقية للشباب من أهم ما يحتاج إليه المربون والدعاة وأولياء الأمور، لِمَا لهذه الفئة العمرية من دور رئيس في صناعة نهضة الأمة، فلا حاضر بدونهم ولا مستقبل بغير طاقتهم وحركتهم في الكون.
فالشباب له الدور الأكبر في مسيرة التنمية والتحديث بقدرتهم على الإبداع والابتكار، والتطلع باستمرار إلى تبني كل ما هو جديد، والإسهام بفاعلية في التطوير والتحسين، وهو الطريق الأمثل للحفاظ على الهوية الثقافية وتحقيق الأمن والاستقرار للأمة.
وفي دراسة للدكتور الحسين حامد محمد حسين، أصول التربية بجامعة سوهاج، يرى أنّ الحاجة إلى الأخلاق وتدعيمها في عصر العولمة الثقافية، مسؤولية المؤسسات المجتمعية والتربوية للحفاظ على الأمن الاجتماعي لدى الشباب، حتى لا يكون منزوع الشخصية ومُخترقًا في دينه ولغته وحضارته، ومُنحرفا في اتجاه الجريمة والانحلال الخلقي.
أهمية التربية الأخلاقية للشباب
ويمكن أن نعرف التربية الأخلاقية للشباب، بأنها مجموعة من المبادئ والفضائل الوجدانية التي يجب تلقينها لهذه الفئة العمرية المهمة، ليعتادوا عليها وتنفعهم في فترة تكليفهم بالمسؤوليات والأعباء الجديدة، كما أنها ثمرة الإيمان الراسخ والتنشئة الدينية الصحيحة منذ الصغر.
وتتمثل أهمية هذه التربية من المنظور الإسلامي في عدة أمور، منها:
الانتهاء عن الفواحش والإذعان لفعل الخير، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45].
وقال تعالى عن الزكاة: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [التوبة: 103].
بل إن الغاية الأولى من بِعثته النبي – صلى الله عليه وسلم- هي التشبث بمكارم الأخلاق، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “إنما بُعِثْتُ لأتممَ صالح الأخلاق”، (البخاري)
وعن أهمية الأخلاق، ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنه قال: “من أَتَى هذا البيتَ فلم يَرفُثْ، ولم يَفسُقْ رَجَع كما ولَدَتْه أمُّه”.
واعتبر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة بالأخلاق، فقال: “إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون”.
وبالجملة، فإن الأخلاق هي المؤشّر الحقيقي على استمرار أي أمَّة أو انهيارها؛ لذا قال الشاعر أحمد شوقي: “وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا”.
متطلبات التربية الأخلاقية للشباب
وتحتاج التربية الأخلاقية للشباب إلى متطلبات ضرورية، تتمثل في ترسيخ العقيدة الدينية، وتنمية القيم الأخلاقية وذلك على النحو التالي:
1- ترسيخ العقيدة الدينية: وهي الصلة الإلهية، ومنهج الإنسان الذي يتسم بالبساطة والوضوح والقوة، وتتخذ طريقها إلى قلب الإنسان، شاملة الإيمان بالله ورسله وكتبه، وجميع نواحي العبادة بالله، فالعقيدة قوامها رفع الإنسان حتى يؤدي وظيفته في الوجود على نحو يتفق مع أصل خلقته.
2- التربية السلوكية: وهي من المتطلبات الفعالة والمؤثرة، لأنها تُحافظ على المبادئ الأخلاقية من قيم وعادات وتقاليد في المجتمع، وتحمي الشباب من الانحلال والانحراف الخُلُقي، وغيرها من مظاهر السلوكيات الغربية الموجهة إلى الذاتية الثقافية في ظل العولمة.
3- تنمية القيم الأخلاقية: فالقيم هي المبادئ والمعايير التي وضعها المجتمع، لتحديد المرغوب فيه، واللامرغوب من أنماط السلوك، كما أنها الصفات الشخصية التي يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة.
رؤية تربوية مقترحة
ويمكن للأسرة التي تهتم بتطبيق التربية الأخلاقية للشباب الاعتماد على هذه الرؤية المقترحة، والتي تركز على النقاط التالية:
- الاهتمام بغرس العقيدة الدينية الصحيحة لدى الشباب منذ الصغر داخل الأسرة؛ لِمَا لها من أهمية في تشريب الأبناء العقيدة السليمة، إذ يتحتم على الأسرة تربية الضمير اليقظ في الأبناء، ومراقبة الله سبحانه وتعالى لهم في كل كبيرة وصغيرة، مع غرس روح الطاعة وتنمية المحبة والإخلاص لله تعالى ولأفراد المجتمع، حيث تغرس الأسرة فيهم الأصول الأولى لشجرة الأخلاق، والمتمثلة في: العدل، والعفة، والشجاعة؛ لإرساء قواعد السلوك الأخلاقي السليم لدى الشباب، الذي من خلاله يمكن التحكم في تصرفاته وتحمي ضميره وتعصمه.
- زيادة الاهتمام بتنمية الوعي الديني لدى الشباب، فيجب على الوالدين تزكية نفوس الشباب بتحفيظهم آيات القرآن الكريم والحديث الشريف اللذين يحملان القيم الأخلاقية، مثل: الصدق في القول، والأمانة، والوفاء بالعهد، والتعاون، وحب الآخرين، ونبذ العنف والغضب، وغيرها من القيم الدينية التي من شأنها أن تشكل حصنًا واقيًا من كل ما يهدد أمن الأسرة واستقرارها.
- تنمية الوعي بالقيم الأخلاقية لدى أبنائها في ظل الظروف الراهنة، لمواجهة الغزو الثقافي والتصدي لحملات التشكيك التي تستهدف القيم والعادات الأخلاقية، فيجب على الأسرة إكساب أبنائها في مرحلة الشباب القيم الأخلاقية والأنماط السلوكية المحمودة: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحُسن الخلق، ومعرفة الحلال من الحرام، وغيرها.
دور وسائل الإعلام
ومن الضروري الاهتمام بتدعيم دور وسائل الإعلام في تحقيق التربية الأخلاقية للشباب المسلم من خلال التركيز على النقاط التالية:
- ضرورة الاهتمام بالبرامج الدينية التي ترسخ العقيدة وتعمق المفاهيم الصحيحة لأصول الدين عند الشباب وذلك في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية.
- مساهمة وسائل الإعلام المتنوعة في التربية، من أجل التمسك بالأخلاق لدى الشباب، وذلك من خلال عرض البرامج أو الأفلام والمسلسلات أو الإعلانات أو المواقع على شبكات الإنترنت والموبايل، التي تغرس في الشباب أهمية التمسك بالأخلاق والتأكيد على أهميتها.
- ضرورة قيام وسائل الإعلام بتنمية القيم الأخلاقية لدى الشباب ومنها: العدل، والعفة، والشجاعة، والقدوة الحسنة، والرحمة، والتسامح، وغيرها من القيم النابعة من الدين.
معوقات في الطريق
وفي رحلة التربية الأخلاقية للشباب للمسلم، لا بُد من مواجهة معوقات في الطريق، خصوصًا في هذا العالم المضطرب بالأحداث في سائر فعالياته فكرًا وسلوكًا، وهو ما دعا الدكتورة وفاء مجيد الملاحي، مدرس أصول التربية بجامعة المنصورة، إلى إفراد بحث يوضح خطورة تلك المعوقات التي تنعكس بآثارها على كل من الفرد والمجتمع، كما تبرز الحاجة الملحة إلى مواجهتها، وتتمثل هذه التحديات والمعوقات في هذه المظاهر:
- غلبة القيم الماديّة على علاقات الأفراد، سيما فئة الشباب منه: حيث أصبحت المصالح هي التي تحدد شكل العلاقات الإنسانية، وأضحت قيمة الكسب السريع هي الإطار الحاكم في المجتمع، فانعكس ذلك على منظومة القيم الإيجابية، فتراجع بعضها مثل قيم الخير والعطاء، وقيمة العمل، وقيمة الإنتاج.
- سيادة قيم الاستهلاك الترفي: حيث لم يعد الاستهلاك قيمة مقابل قيمة الإنتاج، بل أصبح وسيلة لتحقيق طموحات طبقية وتمايزات اجتماعية.
- شيوع السلوك السلبي والعزلة الاجتماعية، والاستبعاد الاجتماعي، حيث ظهرت سلبية قطاع الشباب وانسحابهم عن قضايا المجتمع ومشكلاته، والانشغال بهموم الحياة الفردية والأسرية مما انعكس ذلك بالسلب على روح الهوية والانتماء لدى الشباب.
- إحلال النزعة الفردية محل النزعة الجماعية، فقد سادت القيم الفردية وأصبح الفرد يبحث عن مصالحه الشخصية دون الالتفات للمصلحة العامة أو لمصالح الآخرين، حيث تكمن خطورة ذلك في انخراط الفرد في البحث عن حلول لمشكلاته بطريقته الخاصة، التي قد ينتج عنها ظهور سلوكيات انحرافية وأخلاقية.
- تزايد العنف الثقافي أو ثقافة العنف والتطرف؛ بدءًا من عنف الحوار أو العنف اللفظي إلى العنف الجسدي التدميري.
- أزمة في استثمار وقت الفراغ لدى الشباب: وهي تؤدي إلى العديد من الآثار السلبية منها: أن الشباب يصبح صيدًا سهلًا للعصابات وعتاة المنحرفين والمجرمين، أو الانغماس في طريق تعاطي المخدرات ومشاهدة الأفلام المخلة، وبالتالي لا بد من استغلال وقت الشباب في كل مفيد، وتوجيههم لذلك مع الصبر.
- التدين المنقوص لدى الشباب، فكثير من القطاعات الشبابية تعاني من ما يُسمى بـ”التدين المنقوص”، الذي يفصل العبادة عن الحياة، والإيمان عن السلوك والعمل الصالح، وهو بالطبع حصاد تربية إسلامية قاصرة عن الفهم الأخروي أو الانسحابي للدين، وسرت على المسلمين سنن النمو ونواميسه، فجاءت الثمار من جنس الزرع.
- لذا على المؤسسات والهيئات الدينية أن تؤدي دورًا أكبر في ترسيخ إحساس الشاب بالهوية عبر تقديم إجابات واضحة للتساؤلات الملحة والضاغطة لديه، على اعتبار أن البعد الديني يُسهم دومًا بشكل أو بآخر في تبلور الهوية؛ فالدين يلبي في الواقع أهم حاجات الإنسان كالرغبة في الأمان والتعلق بغاية ما، كما يقدم للفرد قيمًا مرجعية تبرر سلوكه الاجتماعي أو تشكل الدافع لهذا السلوك إلى جانب ذلك يقوم بوظيفة حارس الأخلاق ومصدر القيم.
- معاناة الشباب من الحرمان النِّسْبِيّ: وهو تحد آخر يعاني منه الشباب، ويعني التفاوت المُدْرَك بين توقعات الناس القيمية (الحاجات الأساسية وظروف الحياة والتي يعتقدون بأنهم يستحقونها على نحو مشروع) وبين قدراتهم الفعلية (الحاجات الأساسية والظروف التي يعتقدون بأنهم قادرون على تحصيلها والاحتفاظ بها).
- بطالة المتعلمين حديثي التخرج: وتعد البطالة أحد أهم العوائق والتحديات التي تواجه الشباب المسلم، وهي في حد ذاتها ليست المشكلة بل مؤشر ونتيجة حتمية لقضايا أكبر وأعمق نتجت عن تخطيط قاصر لم يراع المتغيرات الزمنية على خريطة القوى العاملة التي تتأثر بمجموع التفاعلات في المجالات المختلفة. وللأسف فإن منبع الخطورة هنا لا تكمن فحسب في تزايد عدد المعطلين عن العمل، وإنما – أيضًا- من النتائج الاجتماعية الخطيرة التي ترافق حالة التعطل وبالذات فيما بين الشباب.
المصادر:
- التربية الأخلاقية في الإسلام (خطبة) .
- الهيثمي: مجمع الزوائد، 8/24.