أصبح الاختلاف بين الأجيال في الآراء والثقافات والأذواق والمعرفة من القضايا الشائكة في المجتمع، وهي مُشكلة قديمة قِدَم الحياة البشريّة، فأبناؤنا ربّما نجدهم اليوم يشكُون من قلّة تجاوبنا معهم أو فهمنا لهم، لكنّنا إن رجعنا بذاكرتنا للوراء، سنرى أنّنا نحن- أيضًا- مررنا في مرحلة ما مِن مراحل حياتنا بالشّعور نفسه.
وقد أشارت بعض الدراسات الاجتماعية، إلى أسباب هذه المشكلة، وطرحت العديد من الحلول لها، وفي الوقت نفسه أكدت أن جيل الآباء إذا كان يُتقن فن التعامل مع الحالات المعقدة والأمور الطارئة، فعلى جيل الأبناء أن يُقدّر تلك الحكمة، ولا يصطدم ومعها، وأن يتعايش الجيلان معًا في ظل توافق وتقارب لا اختلاف وتباعد.
أسباب الاختلاف بين الأجيال
وتتعدد أسباب الاختلاف بين الأجيال القديمة والجديدة، فالآباء غاضبون من أبنائهم والأبناء غاضبون من آبائهم، وهذا الاختلاف في الواقع اليومي قد يخلق نوعًا من المواجهة والتصادم، ويعود ذلك إلى:
- التنشئة الاجتماعية السّلبية للزوجين: أي الأم والأب منذ الصغر حيث تُكرّس هذه التربية القيم والعادات الاجتماعية دون إبداء أي رأي أو حوار، وإنما فرض قرارات دون مناقشة الأولاد.
- ضغوطات العمل والمتطلبات الأسرية المُرهقة للوالدين: وهذا يجعلهما يهملان تتبع وتربية الأبناء ما ينعدم التواصل مع الأبناء في القضايا الاجتماعية والتربوية والنفسية، فمثلاً غياب الأب المتواصل عن البيت وأحيانا عمل الأم، وعودة الأب في وقت متأخر من الليل فلا يجد الوقت لسؤال الأبناء عن أحوالهم والدخول إلى عالمهم، فتنقطع الصلة ويقل التواصل بينهم.
- سلوكيات عشوائية من الوالدين في التربية: حيث تكون التربية بين التّسلط والتّساهل أو بين النبذ والحماية المفرطة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى هوة وفجوة بين الجيلين.
- مغريات تحيط بالأبناء: مثل الإنترنت والموبايل والتلفاز، فأصبحت في كثير من الأحيان طريقة التواصل بين الأخت والأخ من البيت الواحد، وهو ما أدى إلى قلة التواصل والتلاقي بين الجيلين.
- الخلافات والمشاحنات بين الأم والأب: فأحيانا المشكلات مثل الطلاق أو الانفصال تكون سببا في عدم التواصل بينهم، وقمع الأب للأم في الحديث والحوار معه أمام الأولاد ومحاولة عدم مناقشتها معه.
- كثرة التعالي في المتطلبات: أي ما يطلبه الابن أو الابنة، ويكون زائدًا على قدرتهم قد يؤدي إلى عدم استجابة الآباء وهروبهم من النقاش في هذه الأمور.
- خوف الأم أو الأولاد من بعض المشكلات والأفكار والتواصل والحوار مع الأب ما يؤدي إلى السكون دائماً فيخلق انعدام التواصل.
- التحدث القليل من الآباء لأبنائهم: وغالبًا ما يكون تأنيبًا أو صراخًا أو أوامر ما يجعل الأسرة متوترة ومشحونة وتفقد الحوار.
- ضعف شخصية بعض الآباء والأمهات: وجهلهم بالعلم وعدم قدرتهم على الحوار مع أبنائهم، وبخاصة مع متطلبات العصر الموجودة عندهم.
- فجوة بين الأبناء والآباء: وهو ما يجعل الآباء لا يفهمون احتياجات أبنائهم فيصلون إلى طريق مسدود، فالأم لا تفهم ابنتها والأب- أيضًا- لا يفهم ابنه.
- معدل التغيير المتسارع: ففي القرن التاسع عشر، كانت التطورات في المجتمع بطيئة، نتيجة لذلك، عاش جيلان أو ثلاثة أجيال أنماط حياة كانت متشابهة جدًا، ولم تكن هناك اختلافات كثيرة عبر الأجيال، ونظرًا للتقدم التكنولوجي والاجتماعي الذي حدث في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فإن أنماط حياة الأفراد، أصبحت تختلف من جيل إلى جيل اختلافًا جذريًا.
- التقدم التكنولوجي: حيث تواجه الأجيال الأكبر سنا صعوبة في مواكبة التقنيات الحديثة التي اعتاد عليها جيل الألفية، بسبب الفجوات بين الأجيال، فقد يشرح الطفل لشخص بالغ كيفية استخدام التكنولوجيا.
- زيادة تنقل المجتمع: وهو ما لم يحدث في الأجيال السابقة، والتقدم المتزايد للتكنولوجيا، بدأ الناس في التعرف إلى أشياء جديدة، والانتقال من بيئة إلى أخرى في سهولة وسرعة كبيرة.
- التغيرات في التعليم: فقد تغيّرت أنظمة التعليم بشكل كبير مع مرور الزمن، ما أدّى إلى اختلافات في المهارات والمعارف بين الأجيال.
- التغيرات في أنماط الترفيه: حيث تغيّرت أنماط الترفيه مع مرور الزمن، وهو ما أدّى إلى اختلافات في اهتمامات الأجيال.
- ظهور وسائل التواصل الاجتماعي: وقد أدت إلى تغيرات كبيرة في طريقة تواصل الناس مع بعضهم البعض، ما خلق فجوة بين الأجيال.
- تطور اللغة: وهو ما أدّى إلى اختلافات في اللغة المستخدمة بين الأجيال.
خطوات للتقليل من ظاهرة الاختلاف بين الأجيال
ليس بالضرورة أن يكون الاختلاف بين الأجيال مشكلة، فهو من أشكال التطور الطبيعية للحياة، ويمكن تقليل الفجوة بين الأجيال عبر هذه الخطوات:
- التواصل الفعال: فعلى الأجيال المختلفة أن تتواصل مع بعضها البعض بشكل مفتوح وصريح.
- الاستماع: فمن الضروري أن يستمع كل جيل إلى وجهة نظر الجيل الآخر باهتمام واحترام.
- التحلي بالصبر: وهو من مفاتيح تلاقي وجهات النظر بين الأجيال.
- التسامح: فمن المهم أن يتسامح كل جيل مع أخطاء الجيل الآخر، لتستمر العلاقات بينهم، وبالتالي تقليل حدة الخلاف.
- تجنب النقد المستمر: ومن الضروري تجنب التوبيخ أو العقاب سواء المادى أو المعنوى.
- مصادقة الأبناء: وهذا من أفضل الأمور التي تقرب بين الأجيال القديمة والحديثة.
- تجنب أسلوب المراقبة المباشرة: لأن ذلك يؤدي إلى نفور الأبناء من الآباء، لكن يمكن المتابعة من بعيد، وإعطاء النصيحة في الوقت المناسب.
- الاحترام: وهو من أهم الأمور المطلوبة للحفاظ على العلاقات بين الأجيال.
- التعاون: فعلى الأجيال المختلفة أن تتعاون مع بعضها البعض في مختلف المجالات، لأن ذلك يؤدي إلى زيادة التّرابط بينهم.
- التعلم من بعضهم البعض: فمن الممكن أن يتبادل الطرفان العلوم فيما بينهم، فيزداد الصغار حكمة، ويزداد الكبار دراية بما يدور حولهم ولا يستطيعون ملاحقته بمفردهم.
- البحث عن نقاط التشابه: وهو ما يقصر المسافات بين الأجيال، ويقلل من الاختلاف بينهم.
- نشر الوعي بأهمية التواصل والتفاهم بين الأجيال: ولا بُد من أن يدرك كل جيل متطلبات واهتمامات الجيل الآخر حتى تلتقي الأفكار.
- استخدام لغة واضحة ومباشرة: وتجنب استخدام المصطلحات العامية أو التقنية التي قد لا يفهمها الجيل الآخر.
- نادي القراءة: يُمكن للأجيال المختلفة أن تجتمع لمناقشة كتاب معين وهو ما يقرب وجهات النظر بينهم.
- الرحلات الميدانية: ومن الممكن للأجيال المختلفة أن تشترك في رحلات ميدانية إلى المتاحف أو المواقع التاريخية أو الحدائق، ويتناقشون فيما بينهم حول هذه الأماكن .
- تجنب العناد: فهو لن يجدي في التعامل مع الآخر، بل اتباع أسلوب الحوار والمناقشة البناءة هو المطلوب.
- تجنب النصيحة المباشرة: خصوصًا من الآباء إلى الأبناء الذين كبروا وأصبح لديهم تفكير مستقل واهتمامات مختلفة عن آبائهم.
إن الاختلاف بين الأجيال والفجوة التي تحدث بينهم نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي البشري، والتغيرات التي تطرأ على نمط الحياة مع تقدم الزّمن، لذلك لا يقع اللوم أي طرف عند حدوثها، ومع ذلك يبقى الجيل القديم (جيل الوالدين) يتمتع برجحان العقل، وعليهم العمل على ردم هذه الهوة بالتربية الصحيحة واستيعاب وفهم سياقات التفكير والمعتقدات والعادات والتقاليد والأذواق والثقافة بشكل عام بين الأجيال.
مصادر ومراجع:
- نورهان ناصر: أسباب الفجوة بين الأجيال والاختلافات بينهم.
- وفاء خيري: كيف نتجنب صراع الأجيال ونوفق بين الجيلين القديم والجديد؟
- غدير سالم: صراع الأجيال.. بين الآباء والأبناء.
- د. سليمان محسن العريني: الاختلاف بين الأجيال واحترام الوالدين.
- الفجوة بين الأجيال: ما أسبابها ولماذا تتفاقم؟