الشعور بالتعب معظم الوقت، وضعف المناعة، وانخفاض الإنتاجية في العمل، والصداع المتكرر، كلها إشارات جسدية تشير إلى الاقتراب من حالة الاحتراق النفسي والإنهاك الجسدي، والإحساس بالفشل والشك الذاتي، والشعور بالعجز والوحدة، وفقدان الدافعية، والسخرية من الآخرين، وتراجع الشعور بالارتياح والإنجاز.
وإذا كان القلق شيئًا طبيعيًا في حياة الإنسان، لقول الله- سبحانه وتعالى- {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [الإنسان:4]، وذلك لسعيه على تأمين حياته ورزقه ورزق مَن يعول، فإنّ المبالغة فيه تتسبب في ضغط نفسي وعصبي، واحتراق نفسي، سيّما إن كان ناتجًا عن الظلم في العمل وعدم التقدير لما يقوم بها الإنسان من جهود.
ما معنى الاحتراق النفسي؟
الاحتراق النفسي هو حالة من الإرهاق الجسدي والنفسي الناتج عن الإجهاد المستمر، والشعور بالتشاؤم والاكتئاب. وقد ينتج عنه الإحساس بالفشل والشّك الذاتي، والشعور بالعجز والوحدة، وفقدان الدافعية، والسخرية من الآخرين، وانخفاض الشعور بالارتياح والإنجاز.
وعرّفته كريستين ماسلاك Maslach- أستاذة علم النفس بجامعة بيركلي الأمريكية- بأنه مجموعة أعراض من الإجهاد الذهني، والاستنفاد الانفعالي والتبلد الشخصي، والإحساس بعدم الرضا عن المنجز الشخصي والأداء المهني.
وهو مرحلة يصل إليها الفرد بعد زيادة الضغوط، ويسبب الانهيار والإرهاق، بحيث يعاني الفرد بما يسمى بالاحتراق Burnout الذي يظهر على سلوكه وتصرفاته(1).
أسباب الاحتراق النفسي
قدّرت دراسة حديثة لمنظمة الصحة العالمية (WHO) أن 264 مليون شخص حول العالم يعانون من الاحتراق النفسي واضطرابات القلق في بيئات العمل، وهو ما يظهر في صورة انخفاض الإنتاجية وفقدان الهوية الشخصية، ويرجع ذلك إلى عددٍ من الأسباب، منها:
- الإرهاق الفردي، وهو ناتج عن تشاؤم الشخص المستمر.
- نتيجة توتر العلاقات مع الآخرين في العمل، سواء مع رئيس العمل أو زميل.
- أسلوب حياة الشخص وبعض سمات شخصيته، وكيف يقضي أوقات فراغه وما هي نظرته إلى العالم.
- ضغوط العمل النفسية نتيجة تضارب الأدوار وازدياد حجم العمل.
- ويحدث الاحتراق لهؤلاء الذين عادة ما يتبنون رؤية مثالية لأداء الأعمال والاضطلاع بالمسؤوليات المهنية.
- عدم وضوح مهام الموظف.
- عدم الاحترام من الزملاء في العمل والوضع تحت ضغط نفسي دائمًا.
- التعرض إلى التنمر عند إنجاز المهام، وإنهاك الحالة النفسية للموظف.
- عدم تلقي الدعم من الزملاء والمدير.
- استيلاء العمل على معظم ساعات اليوم، وعدم وجود وقت لقضائه مع الأسرة والخروج إلى التنزه، يجعل الموظف يشعر بالتعب والإنهاك.
- يرتبط الاحتراق عادة بالمهام التي يتعذر على الشخص تحقيقها(2).
أعراض احتراق الشخص نفسيا
ينتج عن الاحتراق النفسي بعض الأعراض أو المظاهر التي قد تظهر جلية على الشخص المصاب به، مثل:
- الإرهاق الشديد وعبء العمل المفرط.
- الاغتراب عن الأنشطة المتعلقة بالعمل.
- السلوك الساخر.
- السلوك غير العقلاني.
- تقلبات المزاج وغياب المشاعر الإيجابية.
- الأرق، والأفكار الكارثية والشعور بالاكتئاب والميل للعزلة.
- الشعور المستمر بالإرهاق والرغبة في الهروب من العمل.
- الشعور بالغضب من زملاء العمل.
- العمل حتى في وقت المرض.
- عدم الرغبة في المرح.
- الشعور بعدم تحقيق إنجازات في العمل.
- اللجوء إلى المواد المخدرة.
- المرض المستمر والمتكرر.
- ارتفاع ضغط الدم، والتعرض للجلطات.
- خفقان القلب وآلام في الصدر(3).
مراحل احتراق النفس
ليس من الطبيعي أن يصل الفرد إلى حالة الاحتراق النفسي والإنهاك الجسدي بشكل مفاجئ، بل هي نتيجة لسياق بطيء، إذ يمر بالعديد من المراحل، ومنها:
- مرحلة الحماسة: حيث يشعر الشخص بآمال عالية وانتظارات غير واقعية من العمل، ويظهر قدراته المهنية في سبيل غد مشرق، غير أنه يصطدم بواقعية مؤلمة.
- مرحلة الركود: تحدث عندما يبدأ الشخص في الشعور بأن الحاجات المادية والمهنية والشخصية لم تتحقق، حيث الحوافز وعبارات التشجيع والترقيات، في الوقت الذي يرى مَن هُم أقل منه كفاءة يترقون ويحصلون على المناصب العليا، مع زيادة جانب إلحاح العائلة على إشباع المتطلبات المادية المتزايدة، ما يصل به إلى مرحلة الإحباط.
- مرحلة الإحباط: وهي تشير إلى أن الشخص في حالة توتر واضطراب، وذلك بسؤاله عن أهميته وفعاليته وعن تأثير جهوده المبذولة لمواجهة مختلف العراقيل المتزايدة.
- مرحلة البلادة: تشير إلى اللامبالاة المزمنة أمام الوضعية الراهنة، ويصل الشخص فيها إلى حالة قصوى من عدم التوازن والجمود أو الركود، ففي هذه الحالات غالبا يصبح العلاج النفسي أمرًا ضروريًا(4).
علاج احتراق النفس
لقد أظهرت دراسات أجريت على بعض الموظفين في العمل، أنهم أكثر عرضة للإصابة بالإرهاق بنسبة 64%، ما يسبب قلة أدائهم في العمل واحتمالية تركهم الوظيفة بمقدار الضعف، وأكدت بعض الأبحاث عام 2018، أنه في كل بيئة عمل يتعرض أكثر من 23 إلى 54% من العمال والموظفين إلى الاكتئاب الناتج عن التعرض للإرهاق(5).
ويتلخص علاج الاحتراق النفسي والإرهاق الجسدي في المنهج الإسلامي الذي حض على التيسير، فما خُيّر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، قال أهل العلم: “فيه دليل على أن المرء ينبغي له ترك ما عسر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه”.
واليسر في الأمور كلها أحب إلى الله، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] وفي معنى هذا الأخذ برخص الله تعالى ورخص رسوله- صلى الله عليه وسلم- والأخذ برخص العلماء ما لم يكن القول خطأ بينًا”.
وكان- صلى الله عليه وسلم- يقول حين يبعث البعوث: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” ويقول- صلى الله عليه وسلم-: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين” و”بعثت بالحنفية السمحة”، و”إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه”.
ولا يُمكن علاج هذه المشكلة إلا باستئصالها من جذورها، وهو ما يقع على الشخص نفسه لتخطي هذه الأزمة، وعليه مثلا:
- تخفيف العوامل غير الضرورية في العمل، ووضع الأولوية في الأشياء المهمة فقط.
- إذا صادفنا أشياء ومهام غير واقعية، يمكن عرضها على المدير، ولا نجهد أنفسنا في البحث عن حلول.
- التأمل، حيث يختار الفرد وضعًا مريحًا ويغلق عينيه ويحاول أن يتخلص من الأفكار المتضاربة في ذهنه، ثم يختار كلمة يرددها مرة بعد مرة.
- لا نهدر الوقت في التنقل بين رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات في العمل، حتى لا يتبقى سوى سويعات قليلة لإنجاز العمل المهم.
- إذا شعرنا بكثرة المسؤوليات، نأخذ خطوة إلى الخلف ونركز على شيء واحد فقط يستحق الاهتمام.
- تنظيم الوقت لإنهاء الأعمال المهمة التي يطلبها المدير، حتى تتخلص من تردده علينا من حين إلى آخر.
- وللحد من هذه المشكلة، ينصح المتخصصون بتناول المجموعات الغذائية بشكل معتدل مع تقليل اللحوم والمواد الكربوهيدراتية، كما ينبغي الابتعاد عن المواد الغذائية الاصطناعية والتقليل من المنبهات والامتناع عن التدخين.
- تخصيص وقت للراحة لا يقل عن 30 دقيقة للتجول والتحدث إلى الآخرين خارج نطاق العمل.
- ممارسة الرياضة بشكل منتظم فإنها تساعد على تجديد حيوية الجسم وتطرد الطاقة السلبية.
- لا نفسح المجال أمام إضعاف صحتنا بسبب كثرة متطلبات الوظيفة أو عدم جدواها(6).
إن الاحتراق النفسي والإجهاد الجسدي من المشكلات التي لها آثار سلبية على الإنسان، سواء على الصّحة أو الإنتاجية في العمل، كما يتسبب في التشاؤم والاكتئاب، وتراجع الهوية الشخصية لدى البعض، والتي تؤثر على حياته دون معرفته أن العمل هو السبب الرئيس في ما يحدث معه، وبالتالي لا بُد من التعرف إلى الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة، وكذلك الحلول.
ولا بد من أن نعرف أن هذه المشكلة، تحدث بشكل تدريجي، وعلى مدى فترة طويلة من الزمن، لا بين عشية وضحاها، لكنها في الوقت نفسه قابلة للتطور عند الأشخاص الذين لا يُولّون اهتمامًا لإشارات التحذير، فبالرغم من أن علامات الإرهاق تكون خفية في البداية، فإنها تزداد سوءًا مع مرور الوقت.
المصادر والمراجع:
- ما معنى الاحتراق النفسي؟: 13 مارس 2014.
- أسماء رشدي: الاحتراق النفسي… الأسباب والأعراض، 19 يوليو 2015.
- نورا طارق: كل ما تريد معرفته عن متلازمة الاحتراق النفسى، 22 مايو 2018.
- الاحتراق النفسي : تعريف ، اعراض ، مراحل ، علاج.
- دليلك الكامل حول متلازمة الاحتراق النفسي وعلاجها.
- مايو كلينك: الاحتراق الوظيفي: كيفية اكتشافه واتخاذ اللازم، 20 نوفمبر 2020.
2 comments
موضوع رائع و مفيد شكرا لكم
سعداء باستفادتك من الموقع،
نشكر مرورك وتعليقك