أود نصيحة في التعامل مع ابني، فهو في سن المراهقة في الصف الأول الثانوي، ودائمًا يمسك الهاتف، يلعب الألعاب الإلكترونية بشراهة، خصوصًا لعبة (بابجي)، علمًا أنني ألعب دور الأم والأب معًا، وقد تعبت ولا أعلم كيف أتصرف معه.
الإجابة:
الألعاب الإلكترونية مشكلة من مشكلات العصر وسمة واضحة تعبر عن اختلاف واقع أبنائنا الذي يعيشونه تمامًا عن واقع آبائهم. وبسبب هذا أيضًا يصعب على الآباء تَقبُّل وفَهم هذا الواقع.
والحقيقة فإن هذا العالم ليس كله شرًا بل هو سلاح ذو حدين، مثل هذه الألعاب تحتاج لمهارات كالتركيز والسرعة والعمل في فريق، وتوسع دوائر معارف الأبناء، وقد تساعد على تقوية بعض اللغات، كما أنها نوع من الأنشطة التي يُمارسها الأبناء وهم تحت نظر وأعين الأهل لِمَن كان منهم متابعًا ومراقبًا بحكمة، في الوقت الذي يقضي الشباب في مرحلة المراهقة الكثير من الوقت خارج البيت في أنشطة لا يعلمها ولا يطلع عليها الآباء. لكنها على الجانب الآخر تسرق أوقاتهم وتجعلهم أقل شغفًا لأنواع أنشطة أخرى، وقد تسبب انسحابهم اجتماعيًّا بحيث يعيشون في عالم افتراضي لا علاقة له بالواقع، ناهيك عن جانب العنف المُركّز فيها واحتوائها على قيم خاطئة.. إلخ.
وبداية علاج هذا الأمر هو عدم المبالغة في رفض هذا العالم، بل محاولة تَقبُّلِه، لأن إعلان رفضنا الدائم له والاصطدام مع الأبناء بسببه دائمًا يزيدهم تمسكًا واقتناعًا به، وبخاصة في مرحلة المراهقة التي يجنح فيها الأبناء لمخالفة الأهل والتمرد على القواعد التي يضعونها وربما النظر للأمور بالمخالفة لرؤية الأهل. وبالتالي فمن الحكمة التقليل من الانتقادات والتعليقات والخلافات التي تحدث في البيت بسبب الألعاب الإلكترونية.
وفي المقابل السعي كل السعي لمصاحبة الابن، ولينظر أحدنا ماذا يفعل مع صاحبه، قضاء أوقات دون توجيه، حسن إنصات له، مفاجئته بما يسره، مهاداته، الاطمئنان عليه، مشاركته همومه ومشكلاته، ونحن هنا لا نقصد هموم الابن بل نقصد هموم الأم ومشكلاتها والاستماع والاستئناس برأيه، قضاء أوقاتٍ خارجية معًا… كل هذا في حال كان صادقًا يسهل جدًا التوجيه والتربية.
ينصح كذلك ليس التقبل وتقليل الانتقاد فقط، بل إن استطاعت الأم مشاركته في بعض هذه الألعاب الإلكترونية فلتفعل ولو تطلب الأمر أن تتعلمها، فلو أنها كسبته لصفها لملكت زمام الأمور ولسهل عليها توجيهه وسهل عليه تقبلها، والمشاركة الخالية من الإنكار فيما هو ليس منكرًا سلاح مهم للغاية في كسب أبنائنا وتوطيد الصلة بهم، لكنه يحتاج لآباء نابهين، أهدافهم واضحة، لديهم قدرة على الصبر ومؤمنين برسالتهم ودورهم.
وهنا نحن ننصح بالتواجد حوله باستمرار ومتابعة ما يشاهد ومع من يتحدث وعن ماذا، دون أن يشعر أن هناك نوعًا من المراقبة عليه، وإذا أردنا إخراج الابن من هذا العالم قليلًا فلا بُد من توفير بديل له جاذبية مشابهة، يتوفر هذا في عالم الأصدقاء، وبخاصة في هذا السن، بالإضافة للانشغال بالجانب الرياضي، صحيح أن أصدقاء هذا السنّ مشكلة أخرى في حد ذاتها، لكن يمكنك استضافة مَن تتوسمين فيهم الخير من أصدقائه، وفتح مجالات اختيار جديدة ممن تُحبين لابنك التعرف إليهم من أبناء الصديقات أو الأقارب، شجّعي ابنك حينها على قضاء وقت معهم، كما يمكنك تشجيعه للاشتراك في رياضة بعينها كان يمارسها أو شائعة بين أبناء جيله.
وكلما تمكنت من خَلق أهداف وطموحات داخل الابن الغالي، كُلّما كان ممتلئًا من داخله، وكبرت أهدافه، وانصرف تدريجيًّا عن الارتباط بالهاتف، هذا يلزم الكثير من التحاور معه وتوجيه الأسئلة المفتوحة له عن مستقبله ومسارات تعليمه ومهاراته وهوياته التي يجيدها، وكيف يمكنه تطويرها وتنميتها والالتحاق بكل ما يساعده على الاقتراب من هذه الأهداف.
وبالرغم منّ أن الرسالة لم تُوضح أين الأب وهل هو غائب تمامًا أم يمكن أن يكون له دور ولو صغر، لكن يجب أن يكون هناك رجل يحل محله ويلعب دوره، كالخال أو العم مثلًا، لأن هذا الدور مهم للغاية في هذه المرحلة بالذات، مهما حاولت الأم أن تلعب هذا الدور.
يمكنك أيضًا أن تطرحي على الابن أن يعمل ويكسب مالًا، هذا من شأنه تطوير شخصيته وإنضاجه، لكن اجتهدي في الوقت نفسه في البحث عن بيئة عمل آمنة ومناسبة لسنه، ليس الغرض بالطبع الربح المالي وإنما شغل وقته ومساعدته أن يشتد عوده.
وأولًا وآخرًا لا تستهيني بسلاح الدعاء، فعليك أن تدعي الله كثيرًا له بالهداية وصلاح الحال والحفظ من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يقر عينك به، وأكثري من الطاعات بِنيّة صلاح حاله، واطلبي العون والسند من الله فهو حسبك ونعم الوكيل.