نحن مهاجرون من الوطن، وابنتي في التاسعة والعشرين من عمرها، وهي نشيطة ومبدعة ومتعاونة ومرحة لكنها لم تتزوج بعد، وبدأت تعاني من الاكتئاب الذي أثّر على قوتها البدنية وجعلها تترك عملها الوظيفي وتجلس في البيت.
السؤال: كيف أساعدها؟
الإجابة:
الرغبة في الزواج ومشاركة الحياة مع الجنس الآخر فطرة مجبولون عليها، ورزقٌ يَلزم التعامل معه كما يجري التعامل مع أشكال الرّزق الأخرى، فلا بُد من الأخذ بالأسباب التي في أيدينا لاستجلابه مع كامل الرضا بما قدّر الله فيه بعد ذلك، كما يجب ألّا يتحوّل إلى هدف يعيق استمرار الحياة في حال عدم الوصول إليه، فهو له موعد يأتي فيه.
وبشكل عام فإنّ أحد أهم مبادئ الحياة في التعامل مع التحديات، أن ينشغل الإنسان بما في يده عمّا ليس في يده، وبالنظر فيما تملكينه كأم في أمر كهذا فإنه من المهم جدًّا أن يعمل البيت بكل من فيه على تقديم الاحتواء الكافي والعاطفة والحب للابنة لملء الفراغ الذي يخلفه عدم الارتباط داخلها وذلك قدر المستطاع.
أيضًا من الضروري محاولة فتح مجالات اجتماعية مختلفة للأسرة تزيد من فرص التلاقي والتعارف على أسر أخرى والاندماج وسطها بدلًا من الانغلاق، وبخاصة في أوضاع كالهجرة أو الغربة، حيث تضيق بالفعل مساحة العلاقات الاجتماعية بشكلٍ كبيرٍ تقل معه فرص الزواج المناسبة.
ولا بُد من دعم ثقة الابنة بنفسها باستمرار وتشجيعها على تعلّم مهارات جديدة وخوض تجارب حياتية مختلفة، حيث إن عدم ارتباطها قد يجعلها تظن أنّ هذا بسبب قلة كفاءتها أو عدم ملائمتها.
ويندرج تحت هذا تشجيعها على الاهتمام بأنوثتها باستمرار لأنها من الأمور التي تزيد الثقة بالنفس وتساعد على تغيير الحالة النفسية السّيئة كما تجعل تصوراتها عن نفسها نابعة من داخلها وليس من تقدم أحد الشباب لها من عدمه.
تجنب تركيز الأسرة على الأمر، وتجنب تكرار ذكره ولو حتى على سبيل الدعاء لها أمامها، فمعلوم أن الآباء يشغلهم كثيرًا هذا الأمر رغبة في الاطمئنان على بناتهم لكن يجب ألا ينتقل شعورهم بالهمّ هذا مطلقًا إلى بناتهم، ويجب ألا يشعرن أنهن صرن ثقلًا على ذويهن يريدون التخلص منه، ويجب ألا يُشكل البيت أي نوع من أنواع الضغط عليهن.
من المهم – كذلك- تشجيع الابنة على العودة إلى عملها والمشاركة في أنشطة تطوعية والالتحاق بدراسة مجالات نافعة، وممارسة الرياضة، لخلق أهداف أكبر، لأن الشعور بالفراغ في هذه الحالة مُضر ويفتح بابًا للشيطان.
ومن الحلول، العمل على تقوية صلة الفتاة بالله وترسيخ معاني الرضا والحمد لديها، وجعل هذا سلوك عام في البيت، والاعتماد على الحمد وتقليل الشكوى والرضا وعدم السخط والجزع في الأقدار المختلفة التي تواجه الأسرة، والإكثار من الصيام عملًا بحديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- عن ابن مسعود “مَن استطاع منكم الباءة فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء” (البخاري)
ضروري – أيضًا- تعزيز مشاعر الامتنان وانتهاجه كسلوك عائلي، وتشجيع الفتاة على تدوين أهم الأمور التي تمتن لها يوميًّا والتركيز على تذكر النعم وعدّها، لما لذلك من أثر إيجابي في توجيه المشاعر والأفكار بدلا من التركيز على الفقد أو السلب أو العيش بشعور الضحية.
وعلى الأم ألا تقطع دعاءها لابنتها، وأذكرك بمقولة ابن عطاء الله السكندري “لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبًا ليأسك فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد”.
وأخيرًا إذا لاحظتِ أنها قد تكون تعاني من الاكتئاب وأنها لم تعد تمارس حياتها بشكل طبيعي كما ذكرت في الرسالة، فإن الأمر يلزمه حينها التحدث مع مختص.