حدثت ظروف للعائلة، فتغيب ابني عن بدء الدراسة، وتخلف عن أقرانه، وهو يعاني من ضعف في مستواه الدراسي بالأساس، ما الذي عليّ فعله لتحصيل ما فاته، وكي لا يتأخر عن أقرانه؟
الإجابة:
السائلة الكريمة، التأخر في البدء في الدراسة، أمر يُمكن تداركه بسهولة بالاتفاق مع المدرسة، وطمأنة الطالب أن تحصيل ما فاته أمر يسير مع بعض التنظيم في الوقت وشحذ الهمة، خصوصًا في بداية الدراسة، حيث تكثر المراجعات لتذكر ما فات.
والأهم من إدراك ما فات الطفل، أمرين في الحقيقة: مسألة مقارنته بأقرانه، ووصف تحصيله الدراسي بالضعيف. فلنا بخصوص هاتين النقطتين عدة وقفات:
أولًا: يجب أن نراعي وبشدة مسألة الفروق الفردية، فلكل طفل نقاط يتميز بها عن أقرانه، فأحدهم قد مُنح التفوق الدراسي، وغيره مُنح التميز الرياضي والحركي، وثالث لديه تميز لغوي، ورابع يتميز في الفنون.
فإذا قارنا أبناءنا بأقرانهم في المجال نفسه؛ دراسة بدراسة، ورياضة برياضة، وهكذا، فإنا بذلك نظلمهم، لعدم مراعاتنا مسألة الفروق الفردية.
والمقارنة تكون رأسية، بمعنى مُقارنة الطفل بنفسه، كيف بدأ وإلى أين وصل.. هكذا تكون المقارنة عادلة، هدفها التّحفيز بتشجيع الخطوات الصغيرة، فإذا حصل في التقييم الأول على خمسة من عشرة، وفي التقييم الثاني على ستة من عشرة، فمعناه أنه تقدم خطوة، غير أن بعض الأهل يقفون على الأربع درجات الناقصة ولا يرون التّقدم في الدرجة الزائدة عن سابقتها!
إذًا المبدأ الأول الذي علينا اتباعه، مراعاة مبدأ الفروق الفردية وعدم مقارنته بالآخرين، بل يجب مقارنة الطفل بنفسه كيف تقدم؟ وإذا تأخّر عن السابق ماذا عطّله؟
ثانيًا: ما المقياس الذي استخدمتيه أيتها السائلة الكريمة حتى تقولي إن الطفل تخلف دراسيا؟! هل هو مقياس التفوق الذي يضعه المجتمع بالحصول على الدرجات النهائية؟! أم هو مقياس مقارنته بأخيه الأكبر؟! أم مقياس مقارنته بالأول عليهم في الفصل؟! أم مقياس مقارنته بحال الأب والأم في نفس سنه؟!
كل المقاييس الفائتة ضاغطة، خاطئة، ظالمة؛ فالتفوق الدراسي له محددات ومعايير كثيرة.
أحد أهم هذه التصنيفات هو هرم بلوم لأهداف التعليم ويتدرج الهرم على حسب السلم المعرفي من مستوى التذكر في قاعدة الهرم يليه الفهم ثم التطبيق فالتحليل ثم التقويم فالإبداع.
فقد يقف مستوى الطفل عند الفهم، ويجد لديه صعوبة في التطبيق، هذا لا يعني أنه لن يتحرك من هذه المرحلة في السلم المعرفي، بل هذا يعني حاجته إلى مزيد من التدريب للانتقال من مستوى إلى الذي يليه.
فهل عرفت قدرات طفلك واختبرتِها مع متخصص قبل أن نقول عليه متخلف عن ركب الدراسة؟! وأيا كان مستوى الطفل فقدراته كما العضلات إذا مرنّاها قويت وإذا أهملناها ارتخت وضعفت.
المهم أن يكون المقياس الذي نقيس عليه تأخر طفلنا مقياس حقيقي يخصه هو ولا يخص طموحاتنا فيه وآمالنا في أن نحقق في أولادنا ما لم نستطع تحقيقه في أنفسنا!
ثالثًا: إذا تيقنّا أن لدى طفلنا تأخر دراسي حقيقي، فلنبحث عن الأسباب في البيئة المنزلية أولا، هل ثمة خلافات في الأسرة تسببت في مخاوف أو قلق لديه أثر على سيره الدراسي؟، ثم نبحث عن الحالة الصحية للطفل هل يعاني من ضعف عام، أو نقص في بعض الفيتامينات أو لديه سوء تغذية؟، فحالته الصحية ترتبط بشكل كبير بمستوى تقدمه الدراسي من عدمه.
ثم نبحث في البيئة المدرسية هل هي بيئة صحية مشجعة أم بيئة يتعرض فيها الطفل للتنمر والهزيمة النفسية؟، وإذا وُجد أي خلل في البيئة المدرسية فتأكدي أنها ستكون بيئة طاردة لكل مهارة، قاتلة لكل تقدم دراسي، حينها دورك كأم متواجدة مع إدارة المدرسة تضعين يدك في أيديهم لتحديد أسباب الضغط المدرسي على الطفل، وهو بداية لحل مشكلته، غير أن بعض الأهل يضعون المدرسة والمدرسين في مقام الهجوم فيبدأون في الدفاع عن أنفسهم كوسيلة مشروعة، وتضيع حقوق الطفل بين اتهام الأهل ودفاع المدرسة.
الأفضل أن تتم هذه العملية في صورة تعاون مشترك بين الأهل والمدرسة لحل الأزمة بدلا من تعقيدها.
وأخيرا ننبه على أمر مهم، وهو أن المشكلات كجبل الجليد، نرى قمته وهي بالنسبة لنا المشكلة، لكن للجبل جزء خفي تحت الماء لا نراه، وعادة يكمن سر الحل في النظر في قاعدة الجبل، أي الأسباب الخفية التي أدت إلى ما نراه ظاهرًا.
وفي الختام نأمل أن يكون خوف الآباء على دين أبنائهم أكبر من خوفهم على باقي أمور الحياة كالدراسة وغيرها، حينها سننشد جيلًا واعيًا، سليم العقيدة، صحيح العبادة، متين الخلق، قادرًا على الكسب، نافعًا لغيره.