أولادي بدأوا يكبرون وبدأت معارفهم تزداد، وهم بحمد الله على خُلُق ودِين، ونحن نتعهدهم بالتربية والمحافظة عليهم من كل ما من شأنه أن يُغير من أخلاقهم، إلا ما يكون من بعض المسلسلات والأفلام التي نظن أنّ منعهم منها قد يسبب لهم نوعًا من الكبت أو الملل، كالمسلسلات الاجتماعية والأفلام الكوميدية، وإن كان كثير مما يُعرض لا يخلو من بعض المشاهد الخادشة أو العبارات التي لا نودّ لهم سماعهاومن ثم يسئلون أسئلة محرجة ،فلا نمنعهم من الكل إنما نمنعهم من البعض، ونسأل الله أن يسامحنا.
المهم أنني أريد أن أسأل عن الأسئلة المحرجة التي بدأوا يلاحقونني بها أنا ووالدهم جراء تنامي معلوماتهم التي يحصلون عليها من متابعتهم أو محادثاتهم مع زملائهم أو حتي مما تستوعبه عقولهم، ومعظم هذه الأسئلة أسئلة محرجة، وكلها تخص علاقة كل جنس بالآخر الخاص منها والعام، وأنا غالبًا ما أرد ردًّا عامًّا أشبه بالتهرب منه بالإجابة، ووالدهم كذلك. وكثيرًا ما ننهي مثل هذه الأسئلة بـ”فرمانات” علينا بالتوقف عن مثل هذه الأمور والانشغال بالدراسة وغيرها من الأمور المهمة. لكن بعض الأصدقاء خوّفنا من عواقب مثل هذه التصرفات مع الأبناء، وبخاصة فيما يتعلق بمثل هذه الأمور، فماذا نفعل؟
الإجابة:
المتأمل في آيات القرآن يتعجب من كل هذه الآيات التي تنقل كثيرًا من الشبهات والمزاعم التي جاءت على لسان المشركين والمكذبين، حتى إن هناك آيات تضمنت ما قيل في حق الله وبالرغم من كونها أقوال عظيمة في حقه – جل وعلا- فإن القرآن أوردها بنصها ثمّ رد عليها ودحضها، مثل هذا المنحى يشعرك بالمصداقية والثقة أن لا شيء مخبأ، وأن لا شيء أكبر من أن يناقش، كما يشعرك بالأمان الكافي أنك تعلم كل الحجج وتعلم كيفية ردها.
قديما كانت التربية عملية تدور ما بين حلقات قليلة للغاية، الأسرة والمدرسة والمسجد وربما الأصدقاء، أما الآن فقد تعددت حلقاتها وكثرت مدخلاتها ومؤثراتها، ولم تعد كلها تتعاون من أجل أهداف واحدة بل ربما أصبحت تعمل على أهداف متناقضة.
لذا فقد صار لزامًا أمام هذه التحديات أن تعمل الأسرة على أن تكون الحلقة الأقوى في هذه السلسلة بكثير من الجهد والتخطيط والمثابرة والمواكبة، لن يُفيد أبدًا دفن الرؤوس في الرمال، لن يطفئ هذا شغف أبنائنا للمعرفة.
كون الأبناء يتوجهون لنا بالأسئلة التي تدور في أذهانهم فهذا مُؤشر جيد على حسن العلاقة بهم وأننا محل ثقة وأن آراءنا ذات أهمية لديهم، هذه نعمة تستحق الحمد لأن بها ينكشف لنا ما يدور في أذهانهم بل وميزة يجب ألا نخسرها بأن نظل دائمًا عند ثقة أبنائنا بحيث يجدون دائمًا ضالتهم عندنا.
قد يكون أحيانًا تهربنا من الإجابة عن أسئلة أبنائنا (المحرجة) لا لشيء إلا لأننا نجهل ما الذي يجب أن يقال وكيف يقال، وقد نظن أحيانًا أنه لم يحن الوقت بعد فأولادنا لا يزالون صغارًا، وقد يكون السبب هو شعورنا نحن كآباء بالخجل، أو قد يكون وراءه اعتقاد بأن التجاوب معهم حول هذه الموضوعات سيزيدهم فضولًا وسيفتح علينا بابًا لا قبل لنا به.
أما عن جهلنا فأصبح لا عذر لدينا فيه حيث أصبح هناك متخصصون في هذا المجال بل وأصبحت تعقد له دورات وتتوفر فيه الكثير من المواد العلمية فيجب على المربين أن يلتحقوا بأحدها أو أن يتعلموا ما يجب أن يُقال ومتى وكيف يقال، سيجعل هذا تقبلنا لأسئلتهم أكثر هدوءًا وإجاباتنا أكثر حكمة، أما عن اعتقادنا أنّ الوقت لم يحن بعد فالقاعدة أن أوان الوقت يجيء بطرح السؤال، فما دام سُئل السؤال فقد لزم الجواب، لا علاقة لهذا باعتقادنا عن ضرورة بلوغ أبنائنا سنًا معينة، هذا لا يعني أن السن غير فارق تمامًا بل هو فارق في طريقة الإجابة وحجم المعلومة لكن لا خلاف حول ضرورة تقديم إجابة.
أما عن خجلنا كآباء، فمن المفضل دائمًا أن يتحدث الأب مع الأبناء الذكور والأم مع الإناث في مثل هذه المساحات، وعلى الآباء كي يقاوموا هذا الخجل أن يتذكروا أن خجلهم هذا قد يتسبب في وصول معلومات خاطئة لدى أبنائهم لأنهم لن يتوقفوا عن البحث عن إجابة، وقد عرض القرآن العديد من الموضوعات كالعلاقة بين الزوجين وعدد من قضايا المرأة الخاصة وقد استخدم فيها ألفاظًا غاية في التعبير دون أن تخدش الحياء فعلينا أن نتعلم من هذا توصيل المعلومات بمصطلحاتها العلمية والشرعية.
أمّا عن تصورنا أن النقاش في مثل هذه الأمور سيفتح علينا بابا لا قبل لنا به فإن هذا تصور خاطئ، والصواب أنّ عدم تقديم إجابة شافية مقنعة هو ما سيفتح هذا الباب.
وفي النهاية، فإنّ ما نُسميه أسئلة محرجة هي في معظمها تتلاقى مع غريزة ما إنسانية وفطرة بشرية، وهي فطرة يهذبها ويقومها الإسلام ويحكم سيرها بمبادئ، وما دمنا نحن نربي فلزامًا علينا أنّ نُربي أبناءنا على مثل هذه القيم والمبادئ الحاكمة بما يعني أنها أمور التطرق لها حتمي في إطار تعليم أبنائنا لأمور دينهم كفقه الطهارة وغض البصر والاختلاط وغيرها.