يُعد أدب الأطفال من أهم الوسائل التي تُسهم في تربية الطفل وإعداده لمواجهة تحديات عصره ومستقبله إلى جانب الوسائط التربوية الأخرى؛ فعن طريقه نستَطيع أن نُكرّس في نفوس الصغار القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والوطنية، والقومية، والجسمانية، والترويحية، وتكامل الشخصية، وقيم الحياة العامة التي إذا أُحسن بناؤها في نفوسهم ضمنا جيلاً لا يُشكل عبئًا على مجتمعه، ولا يكون مصدر خطر على الحياة والعالم.
ويرى الدكتور محمد شاكر سعيد، أستاذ الأدب والنقد بجامعة القاهرة ورئيس قسم اللغة العربية بكلية دار المعلمين بأبها سابقا، ضرورة الاستفادة من الأدب في تربية النشء الجديد، وفي إدخال مفردات التربية والأخلاق الإسلامية في وجدان وعقل الطفل.
أهمية أدب الأطفال في التربية
إنّ أدب الأطفال أحد الأشكال التي تدخل سريعًا في قلب الطفل، فهو يُشكل وجدانه وينمي عواطفه، ويساعده على ضبط انفعالاته، ويُسهم في نمو لغته، وتشكيل قِيَمه، وإمدَاده بالمعلومات، وتنمية مشاعر الولاء والانتماء للأمة والوطن.
والتربية التي تنتج عن هذا الأدب، لها أهمية تطبيقية ونظرية في حياة المجتمعات والأفراد؛ لأنها تلعب دورًا مهمًّا في تنشئة الأبناء وإعدادهم بما يتناسب مع تطلعات مجتمعاتهم وأهدافها، ولأنها تقوم بدور فاعل في المحافظة على تراث الأمة وتقاليدها، كما أنها أداة تقدم المجتمعات وتطويرها وإغنائها، من خلال توفير سبل التفاعل مع المعرفة المتطورة للأفراد، وتنمية شخصياتهم ليكونوا قادرين على مواجهة المشكلات بجهودهم الذاتية، ومهاراتهم المكتسبة.
والازدواج الحاصل بين شقي الجملة يوضح أنه إذا كانت التربية تسعى إلى تغيير ما في نفس الفرد عن طريق تنمية مواهبه، وتعديل سلوكه وميوله وإصلاح سيرته؛ فإن الأدب يستطيع أن يحقق للتربية ما تسعى إليه بجهد أقل وبأسلوب أيسر مما لو اتُّخذت إجراءات تربوية طويلة إذا كان ذلك الأدب خَيِّرًا.
فالتربية هي مسؤولية دينية قبل أن تكون اجتماعية؛ وهذا المفهوم هو واجب نصّت عليه كثير من نصوص ديننا الإسلامي الحنيف، وهدفها الأسمى هو: أن تنتج النموذج، وتنقل التراث، وتساعد الفرد على التوافق مع المجتمع.
مصادر أدب الأطفال
ويستقي الكتاب والأدباء أدب الأطفال الإسلامي من بعض المصادر، وهي: القرآن الكريم، والسيرة النبويّة المطهرة، وتراجم أعلام المسلمين:
- فقد نظر الكتاب المسلمون إلى القرآن الكريم كأفضل مرجع لتقديم القصص للأطفال، اهتداءً بالآية القرآنية: {نـَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}، فكثير ما يميز هذه القصص في نظر هؤلاء العلماء أنّها واقعية ومنزّلة ما يعطيها وقعًا خاصًا لديهم، ويعتبرونها أفضل ما يمكن تقديمه من قصص هادف يوجّه سلوك أطفال المسلمين.
- ولم يأخذ الكتّاب من القرآن القصص فقط، بل حاولوا أن يقدموا من خلاله مواضيع أخرى، مثل: أسماء الله الحسنى، والأنبياء والنساء، والعلوم والنباتات والحيوانات التي ورد ذكرها في القرآن.
- وبالنسبة للسيرة النبويّة، فقدّمت هي الأخرى للأطفال، حينما عالجت مواضيع شتى من حياة النبي، مثل: طفولته، ومعجزاته، وبناته، وأطفَال حول الرسول، وغزواته، والصّحابة.
- وكجزء من الاهتمام بتاريخ الإسلام، وتقديمه للأطفال، جاء الاهتمام بعلماء المسلمين، أئمتهم، وشعرائهم، وسفرائهم، وفرسانهم، وشهدائهم.
- كما يستقي بعض الأدباء قصصهم من احتياجات الواقع، والمثل والقيم الرائجة في مجتمعهم.
لقد جرى تقديم هذه المواضيع من خلال الأجناس الأدبية المختلفة، منها القصة، والمسرحية، والشعر والأنشودة؛ وعرضها جميعًا باللغة الفصحى المبسطة، من خلال الوسائط المختلفة المطبوعة منها والإلكترونية، مثل المذياع، الحاسوب، والتلفاز. إضافة إلى هذه المواضيع، فقد تناولت الأعمال الأدبية الإسلامية مواضيع مستقاة من الحياة يسيطر عليها الحس الإسلامي، إضافة إلى الأجناس الأدبية المعروفة.
ودعا الكتّاب ومنظرو الأدب الإسلامي إلى استلهام التراث العربي الإسلامي والعودة إليه لتقديم نصوص ملائمة للأطفال، مثل: كتاب كليلة ودمنة وكتاب الأغاني وقصص الصالحين.
أخطاء في أدب الأطفال
من الأخطاء التي يرتكبها بعض كتاب أدب الأطفال الصغار، إغفالِهم الأخلاق الإسلامية الحميدة، أو التربية الدينية القويمة، ولمّا كان كل مجتمع مرهونًا بظهور نتوءات تشذ عن القاعدة الاجتماعية في شتى الجوانب عامة، وفي الأدب خاصة؛ لذا، فلا غرابة أن ترى بعض الأدباء يوجهون الناشئة إلى وجهات ترضي ميولهم الشخصية، ولكنها تتنافى مع التوجيه الأخلاقي العام للمجتمع، على الرغم من أن تهذيب الأخلاق في نظر بعض المربين هو الغرض الأسمى من التربية، فإذا عني المتعلم بتغيير ما في نفسه من بعض النواحي، وأهمل هذه الناحية المهمة، كانت تربيته وبالاً عليه ومفسدة لمجتمعه؛ إذ ليس ثمة ما يمنعه من استعمال عقله وعلمه في سبيل الشر.
من أجل ذلك فقد أدرك أدباؤنا القدامى هذه الحقيقة وكان الأدب يقبل أو يرفض من خلال المنظور التربوي؛ حيث كان أدباؤنا يرون أن الغايات الأخلاقية تتحقق في أغراض الشعر الخيرية، وأن ممارسة الشعر في حدود الخير إبداعا ورواية وحفظا تزيد القدر ونباهة الذكر.
أما الأشعار التي تتناول الشر للترغيب فيه والدعوة إلى ممارسته فهي أشعار تفسد الطبائع وتثير الفتن. لذا فلا غرابة إذا رأينا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يوصي ابنه عبد الرحمن قائلاً: “يا بني، احفظ محاسن الشعر يكثر أدبك، فمن لم يعرف الشعر لم يؤد حقّا، ولم يقترف أدبا”.
معايير ضرورية في الأدب الموجه للصغار
ولا يُمكن أن نركن إلى كل نتاج أدبي يوجه للأطفال لنضمن أنه يحقق الأهداف المرجوة والأهداف التي تتوخاها التربية منه. وبناء على ذلك يبرز السؤال المهم وهو: ما المواصفات والمعايير التي يمكن أن ترشح أدب الأطفال ليكون قادرا على تحقيق ما نصبو إليه من الأهداف والنتائج؟
لقد حدّد هذه المعايير محمد أديب الجاجي- وهو من المهتمين بالأطفال والرؤية الإسلامية لأدب الطفل، على النحو التالي:
- المعيار الشرعي: لمطابقة النص الأدبي المقدم للأطفال للحقائق الشرعية والقيم العقدية والإيمانية.
- المعيار العلمي: لمطابقة النص للحقائق العلمية الثابتة التي استقرت عليها نظريات العلوم في أحدث تحقيقاتها.
- المعيار القيمي: لتقويم ما اشتمل عليه النص من القيم والاتجاهات كهدف يبنى عليه العمل الأدبي.
- المعيار المرحلي: لمراعاة إعداد النص وفقاً لمرحلة النمو اللغوي والإدراكي للجمهور المستهدف.
- المعيار الفني: لمراعاة تقديم القيمة أو المعلومة وفقاً للمواصفات الفنية والإبداعية للنوع الأدبي الموجه للأطفال، بما في ذلك مواصفات الإخراج الفني من جميع نواحيه.
- المعيار المهني: لمراعاة تمتع المبدع بالثقافة الشاملة والموهبة المتألقة والخلفية المهنية اللائقة بكتابة النوع الأدبي وفق المعايير والمواصفات المقبولة.
- معيار السلامة: أي سلامة النص الأدبي من كل ما يتناقض أو يتنافى أو لا ينسجم مع المعايير اللازمة.
- المعيار النقدي: الذي يضعه الأديب الناقد بين يديه وهو يحكم على النص أو يقومه في ضوء ما سبق من المعايير والمواصفات.
محاور لمواجهة التحديات
تتضاعف التحديات مستقبلاً عن التحديات المعاصرة، ويتفرع عنها كثير من التحديات والمشكلات ما يؤكد أن نجاح خطط التنمية في أمتنا مرهون بمقدرتها على إعداد أطفالها الإعداد الأمثل الذي يساعدهم على مجابهة التحديات ضمن المحاور التالية:
- المحور الروحي والأخلاقي: فأمتنا الإسلامية تمتلك تراثا روحيّا وعقديّا وخلقيّا متميزا تربت على أساسه أجيال، وبدت آثاره جلية في تربية أبنائنا في مختلف العصور، لكن الاحتكاك بالثقافات الأخرى، وانتشار وسائل الإعلام، يُعرض أبناؤنا لبعض التيارات الفكرية والثقافية التي يُخشى أن يكون لها آثار سلبية على تربيتهم وأخلاقهم.
- ويُمكن أن نوظف أدب الأطفال الإسلامي في سبيل تربية أبنائنا وتحقيق متطلبات المحور الروحي والأخلاقي عن طريق استغلال الأشكال الدرامية من قصة ومسرحية ومسلسلات وأشعار وغيرها في تقديم مواقف سلوكية إيجابية تسهم في غرس القيم الخلقية الأصيلة في نفوس وعقول الأطفال.
- المحور العلمي والتكنولوجي: إن الصراع في العصر الحديث قائم على التفوق العلمي؛ لذا فنحن بحاجة إلى غرس القدرة على التفكير العلمي لدى أطفالنا؛ لأن التفكير العلمي من شأنه أن يوفر أسباب الرخاء والرفاهية، وعن طريق التفكير العلمي قفز الإنسان من عصر الحجر إلى عصر المعدن، ومن عصر الدابة إلى عصر البخار، ثم عصر الكهرباء فعصر الذرة والفضاء في حقبة لا تزيد على واحد بالمئة من حياة الإنسان على الأرض.
- المحور الاجتماعي: عندما درس علماء النفس والتربية النمو العقلي والوجداني للطفل، وجدوا أن هناك بعض الخصائص النفسية التي لو أشبعها الأدب لعمل على استواء شخصية الطفل واستقرارها. فإذا ما واجه طفل إحباطا من والديه ونظرائه؛ فإنه سينشأ لديه إحساس بالحاجة إلى الرفيق المثالي الذي يرتاح إليه، ويملأ عزلته تعويضاً عما افتقده في منزله، ومن ثم فإن قصة تتضمن صداقة بين شخصين- بشرا كانوا أو حيوانات- بحيث يجد كل منهما في صاحبه العون والرعاية والمؤازرة والأنس، يمكن أن تشبع لدى هذا الطفل إحساسه بالحاجة إلى الرفيق المثالي أو على الأقل ترضي هذا الإحساس بما يجعل الطفل يقبل على مثل هذه القصة وما تتضمنه من قيم ومبادئ يراد غرسها في نفسه.
- المحور السياسي والتاريخي: إن أخطر التحديات في العصر الحديث هي التحديات السياسية، ومن مظاهر ذلك أن بعض الشعوب تدفعها أوهامها التاريخية والأسطورية وتغريها قوتها وعنجهيّتها إلى مغامرات عدوانية تستهدف أمن الغير ووجودهم واستقرارهم؛ لذا فإن من أهم واجبات المجتمعات الواعية تربية الأبناء على قيم المحبة الإنسانية، والابتعاد عن العنف والقسوة والاعتداء على الآخرين بغير حق، والابتعاد عن صفات الغلو والتطرف والتشدد.
المصادر والمراجع:
- أدب الأطفال الإسلامي: النشأة، التطوّر والمضمون .
- أدب الأطفال في الاسلام .