السؤال
أنا معلمة وأم، لدي ملاحظة عامة يشترك فيها أبنائي في البيت وفي المدرسة، أجدهم غير متحمسين للأعمال، ولديهم ضعف في الإنتاجية، وليس لديهم دافعية لإنجاز المهام، فهل من إستراتيجية مناسبة تعينني على تحفيزهم للإنتاجية؟
الرد
السائلة الكريمة:
أهلًا بكِ ضيفة عزيزة على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية، وجزاك الله خيرًا على حرصك كأم وكمربية أن تنهضي بمن استخلفك الله عليهم وتشدي من أزرهم حتى يكونوا أصلح وأنفع.
فرق كبير بين الأم أو المعلمة المؤدية، والمعلمة المربية، فالمؤدي هو من يقوم بدوره اللحظي، يشرح ويفهّم، يعد الطعام، يجهز الثياب …إلخ.
أما المربي هو من ينظر إلى دور هذا الجيل في العمل والإصلاح ويعمل على تفعيل جوانبه الإيجابية وتصحيح جوانبه السلبية، وهو ما تقومين عليه، أعانك الله وتقبل منك.
لن نكثر في البكائيات عن سبب تردي جيل أبنائنا المبتلى بحمل الهواتف؛ الشاغلة عن تحقيق الأهداف، بل والمحبطة في أحيان كثيرة، فيرى الطفل أباه وأمه يكدون ويعملون ليل نهار وبالكاد يحصلون معايشهم، بينما يجد في واقع موازٍ لاعب كرة أو ممثل أو مما ابتلينا بهم من صانعي المحتوى الزائف يغيرون سياراتهم كما يغير الأطفال ملابسهم! فيتولد لديهم شعور حقيقي بالإحباط، وسؤال دائم عن فائدة الجد والاجتهاد من غير أن نتحصل من ورائه على ثروات؟!
هذا الارتباك الحادث لهم يؤثر بشكل مباشر في ضعف إنتاجيتهم وانعدام الدافعية للعمل،
بجانب هذا تتضافر مجموعة من العوامل والأسباب، مثل:-
- مستوى التغذية: لذا نجد أن المهتمين فعلًا بعملية التعلم كانوا يضمنون وجبة غذائية بمواصفات معينة يتم توزيعها في المدارس، لضمان تناول الأطفال الحد الأدنى من الغذاء الذي يجعلهم في يقظة وانتباه، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية وعدم عناية المسئولين بالملف التعليمي العناية التي يجب أن تكون، اختفت مثل هذه الوجبات، بل سمعنا عن حالات تسمم بسبب تلك الأغذية، فعضت الحكومات أرغفة الأطفال ضاربين بمثل (عض يدي ولا تعض رغيفي) الحائط.
- مستوى المعيشة: مرتبط ارتباطًا لصيق بالنقطة السابقة فأصبح الغلاء الفاحش الذي يضرب البلاد والعباد سببًا كبيرًا في تأثر نقص الإمدادات المناسبة للأبناء صحيًا وبدنيًا فاختفى عنصر البروتين من وجبات الكثير من الأسر، وفي الأماكن الأقل حظًا، تجد تلوث مياه الشرب والطعام غير الجيد- كمًّا ونوعًا- من مسببات ضعف بنيان الأطفال وترديهم صحيًا، فماذا ننتظر من بنيان ضعيف هش؟!
- المستوى الصحي: نتيجة طبيعية للتردي في النقطتين السابقتين، يقولون “العقل السليم في الجسم السليم” فبقدر ما نحرص على بناء أجساد أبنائنا بما ينفعهم، بقدر ما نجد صدىً جيدًا ومردودًا مباشرًا على تحسن دافعية وإنتاج أبنائنا، فإذا ما عملنا على تحسين هذه الجوانب نكون على جاهزية لتحسين الظروف والبيئات المباشرة المعينة على الإنتاجية من خلال:-
- وضوح الهدف: فتوضيح الهدف من وجودنا في الحياة بأنا مستخلفون في الأرض، وكل منا يعمرها بما يسر الله له من مهارات، وأن كل فرد لبنة في بناء الأمة، وضوح الهدف هذا يشعر الكبير والصغير بأن كل عمل تعمله له قيمة في منظومة البناء وإن صغر العمل، فجامع القمامة دوره لا يقل أهمية عن دور الطبيب، الأول يحد من انتشار المرض بجمع القمامة ووضعها في المكان الصحيح والطبيب يعالج المريض، ولو لم يقم أحدهما بدوره على الوجه التام لأثر على دور الآخر بشكل مباشر، هذا الفهم إن كررناه على مسامع أبنائنا وطبقوه بشكل عملي في فعاليات مدروسة سنلاحظ الاختلاف في النتائج لدى الأبناء.
- مفهوم النفط الأبيض: هو مفهوم يطلق على الموارد البشرية فإذا ما رأينا في أبنائنا ذلك، بذلنا في مقابل تنمية مهاراتهم كل غال، وكنا على يقين أن النتائج فارقة وتستحق البذل، فالبعض يدفع في المأكل والملبس أكثر بكثير من حاجة الأبناء، ثم يقلل من قيمة اشتراك الأبناء في دورات وفعاليات تعمل على تنمية الأبناء، وعلى نفس هذا المستوى من الفهم إذا وجد لدى المؤسسات والحكومات، فلن تتوانى في ضخ الموارد المالية من أجل إعداد دورات وبيئات صالحة للتعلم.
- المعلم القدوة: فالعيش بمعنى حديث “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث” منها (علم ينتفع به)، كان هذا الفهم بمثابة وقود يحرك الغافل ويوقظ النائم، ذلك بأن كل سعي نسعاه كأهل وكمربيين ثمرته دائمة حتى بعد الممات، فليكن هذا الحديث مسار حوار بين التلاميذ ومعلميهم والآباء وأبنائهم مما يحفزهم على اختيار مجال نفع يحبون أن يلقوا الله عليه. ويعد عمل الورشات والفعاليات من الأمور التي تترجم النظري إلى عملي، وباستخدام أدوات مثل التعلم بالنمذجة والقدوة والعصف الذهني، أدوات تطور النقاش حول موضوع الورشة، فاجعلي يومًا مدرسيًا بعنوان (إذا مات ابن آدم)، ووزعي الأدوار على الطلاب بين شرح للحديث وإيجاد نماذج تطبيقية له.
- وضع سبل سلسلة للتعلم: وذلك بمراجعة المناهج من إزالة الحشو الزائد وربط النظري بالعملي، فكلما وجد الطلاب عائدًا وفائدة تطبيقية لما يتعلمونه زاد من دافعيتهم وحرصهم على الإنتاج، فأكثر الدروس التي ترسخ في أذهان الطلبة، تلك الدروس المتبوعة بنشاط تطبيقي، ورحلات علمية، وبحث مكتوب.
- التقدير: طالما تكلمنا عن تحسين العملية التعليمية، فمن أهم الأمور التي يجب أن نلقي عليها الضوء، هي عملية تقدير مجهود الأطفال وكل تحسن في أدائهم حتى وإن بدا طفيفًا، فاستخدام الملصقات، ورسم نجمة على اليد، والتصفيق للطفل، وتحفيزه بالكلمات، هي أدوات بسيطة يمتلكها كل معلم ومربي، ولا نحتاج إلى ميزانية خاصة لتحسينها. وحينما ندرك أن الحاجة إلى التقدير كالحاجة للطعام والشراب كما جاء في هرم ماسلو، ربما ندرك أننا إذا ما قصرنا في تقدير أبنائنا، فكأنما قصرنا في طعامهم وشرابهم، فهل يطيق والد أو والدة أن يناموا و أطفالهم جوعى أو عطشى؟! الإجابة : لا، مثل حاجة الأطفال إلى الطعام والشراب كحاجتهم إلى التقدير.
- البيئة المباشرة للتعلم: يجب أن تكون آمنة، مريحة، جيدة التهوية، نظيفة، إضائتها جيدة، درجة الحرارة فيها مناسبة، فكيف لنا أن نطالب طفلًا بالإنتاج في بيئة تفتقر إلى أدنى المواصفات المناسبة، فلا تقل هذه النقطة أهمية عن سابقتها، وبشكل عملي حينما تجد الشركات انخفاضًا في مستوى الإنتاجية لموظفيها، وتعمل على تحسين مكان العمل من ضمن ما تشتغل عليه لتحسين النتائج، تجد فروقا واضحة بين الإنتاجية قبل تحسين بيئة العمل وبعدها، ومن مآثر تحسين بيئة العمل أن يشعر الطالب أو الطفل بانتمائه للبيت أو المدرسة، فيبذل جهدًا من تلقاء نفسه للحفاظ عليه وتطويره، والعكس بالعكس.
- الإجازة: يأتي العيد كمكافأة للمسلمين بعد الصيام، هذا منهج رباني للمثوبة المعجلة في الدنيا، تعب ثم راحة، فأن نحرص على منح الأبناء إجازات مناسبة تليق بتعبهم ومجهودهم المبذول، ذلك مما يحسن من دافعيتهم ويحسن من مستوى إنتاجيتهم بعد العودة من الإجازة.
نخطئ حينما نمنح الأبناء واجبات في الإجازات، ونخطئ حينما نستخدم الإجازات كعقوبات لعدم أداء الأبناء ما عليهم في أيام الدراسة، فإذا ما احترمنا مفهوم الإجازة، واجتهدنا على التخطيط له؛ احترم الأبناء أيام العمل، هذه بتلك.
وهذه بعض الواجبات العملية التي تعين على تحسين الدافعية للإنتاج:
- النوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا.
- الإيمان بأن العقل السليم في الجسم السليم.
- معرفة أن التشتت عدو الإنتاجية.
- التخطيط للمستقبل بدلًا من جلد الذات عن الماضي.
- لا تبحث كمربٍّ عن الكمالية، لا في نفسك ولا فيمن تعول؛ لأن ذلك يخلق إما أداء العمل على أكمل وجه أو إما عدم العمل!
- ممارسة الرياضة تجدد الدماء وتحفز هرمونات السعادة التي تساهم في الإقبال على الدافعية والإنتاج.
نرجو الله أن ينفعك بما قدمنا وأن يلهمك الوسيلة، وأن يفتح لك فتحا مبينا، وأن يرزق أبنائنا فهم مقتضى وجودهم في الدنيا والعمل على مرضاة الله، ففي ذلك الفلاح والنجاح.