إذا جَالَ أي إنسان ببصره في العالم من حوله اليوم، وجد آلام الأمة الإسلامية وجراحها عنوانًا للمعاناة في كثير من بقاع الأرض، حيث تكالب عليها الأعداء من كل حَدَبٍ وصوب، وما يبعث الحزن والألم في نفس كل مسلم أنه أمام الأحداث الجسام التي تتعرض لها الأمة نرى أغلب دول العالم الإسلامي قد تردّت إلى أشد حالات الصراع والتمزق والاختلاف.
لكن بالرغم من الآلام التي تعيشها الأمة اليوم، فإنها على موعدٍ مع مآلات مُبشّرة، لا يؤمن بها إلا كل مؤمن ذو بصيرة وثقة في الله القوي العزيز الذي أكد أن نصره قريب، بينما يرتاب في هذه المآل أصحاب الريبة وضعفاء الإيمان الذين يتخاذلون عن نصرة الدين، ولا يحركون ساكنًا إلا لكل ما هو دنيوي.
أسباب آلام الأمة الإسلامية
وتتمثل آلام الأمة الإسلامية اليوم في الضعف والتخلف، والضيق في العيش، والمكابدة للحياة، والتعرض للحروب الظالمة، كما هو الحال في فلسطين المباركة التي تئن تحت مرارة المأساة، وآلام المعاناة، ولوعات الثكالى، وآهات اليتامى، وصرخات الصغار، وصيحات التعذيب والحصار، وتصبح وتمسي على صفوف الأكفان المتتالية، والجنائز المتوالية، والبيوتات المهدَّمة، والمساجد المنتهَكة، وقُل مثل ذلك في أماكن شتى من العالم الإسلامي.
إن العالم الإسلامي في وضعٍ لا يحسد عليه، فقد جعله الأعداء مسرحًا لكل مُشكلة، ومأوى لكل مُعضلة، فكل يومٍ نسمع أحداثًا ضد المسلمين وضد بلادهم، ضد مبادئهم وقيمهم ومقدساتهم، ما تتفطر منه الأكباد، وتدمى له القلوب، وتبكي له العيون، حيث أصبحت الأمة منهكة، متقطعة الأوصال منهوكة القوة مستنزفة الموارد، مسلوبة الإرادة وهذه صورة تدمي قلب الصديق وتبهج قلب العدو.. لكن لماذا كل هذا؟
لقد أخبرنا النبي- صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآلام التي تعيشها الأمة اليوم، وعن أسبابها، فعن ثوبان- رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها. قال: قلنا يا رسول الله: أمن قلة يومئذٍ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل، ينتزع الله المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن. قال: قلنا يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الحياة، وكراهية الموت” (أحمد وأبو داود وصححه الألباني).
ومن أسباب ما وصلت إليه الأمة من ضعف، إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، وعدم الإعداد للعدو، والرضا بأخذ حاجاتهم من عدوهم وعدم الهمة العالية في إنتاج حاجاتهم من بلادهم وثرواتهم، فالمسلمون اليوم في أضعف ما يكون إعدادًا، بل لم يخطر على بال كثير من المسلمين أن يعدوا العدة لمواجهة العدو والاستعداد للقائه، وهذا ما جعل العدو يعد العدة والقوة فصار قويًّا والمسلمون ضعفاء، ولن يتحركوا إلا بأخذ أسباب النصر والتمكين.
ولا شك أنّ التفرق والاختلاف وعدم جمع الكلمة وعدم الاتحاد والتعاون، سبب كبير لضعف المسلمين، وكذلك ضعف فهمنا لحقيقة الإسلام وأهدافه ومقاصده، الذي لو فهمناه حق الفهم لكنا أقوى الأمم وأعزها على الإطلاق، فالإسلام دين ودولة، وعمل وجهاد، وتعاون وإخاء، ورحمة وقوة.
خطوات نحو الحل
وإذا أراد المسلمون أن يعالجوا آلام الأمة الإسلامية اليوم، فعليهم بفعل ما فعله المسلمون الأولون، لأنّ ما يُصيبنا هو الذي أصابهم، وما عالجوا به مصيبتهم هو الذي علينا أنّ نعالج به مصيبتنا، فالله- عز وجل- إنما نصر المؤمنين الأولين؛ الذين كان عددهم قليلًا جدّا بالنسبة للكافرين والمشركين جميعًا من كل مذاهبهم ومللهم، إنما نصرهم بإيمانهم، وسنن الله لا تتغير في الكون، فهو الذي يقول: (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) [فاطر:43].. فماذا علينا أن نفعل؟
- الإيمان بالله: فلقد نصرَ الله المؤمنينَ في مَواطنَ كثيرةٍ في بدرٍ والأحزابِ والفتحِ وحُنينٍ وغيرها، نصرَهُمُ اللهُ وفاءً بِوَعدِه (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنين)[الروم:47]. وقال (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ.يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ الْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[غافر:51-52].
- العمل الصالح: وهو الذي اجتمع فيه شرطان: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، قال ابن القيم-رحمه الله-: “العمل الصالح هو: الخالي من الرياء المُقيَّد بالسُّنة”، قال الله سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ [النور: 55].
- تقوى الله: وهي امتثال الواجبات واجتناب المُحرَّمات، وكمال التقوى يحصل بامتثال المستحبات واجتناب المكروهات والتورُّع عن الشبهات، قال الله عز وجل: ﴿إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 128].
- الإكثار من ذكر الله ودعائه: قال الله- تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45].
- إعداد ما يُستطاع من قوّة: قال سبحانه: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60].
- الصبر: قال سبحانه: ﴿وَإن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [آل عمران: 120].
- التوكل على الله: وهو اعتماد القلب على الله وحده في جلب المنافع ودفع المضار الدينيَّة أو الدنيوية مع الأخذ بالأسباب الشرعية، قال سبحانه: ﴿إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [آل عمران: 160].
- القتال تحت راية واحدة بقيادة واحدة: قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59].
- عدم التنازع والتفرّق: قال سبحانه: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: 103]، وحبل الله هو كتابه، والاعتصام به يلزم منه اتِّباع سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
- موالاة المؤمنين والبراءة من الظالمين: قال الله- عز وجل-: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: 56].
- التضحية: ويكون ذلك بالأنفس والأموال والأوقات والمناصب وغير ذلك من أجل الإيمان والجهاد في سبيل الله، قال الله- سبحانه وتعالى-: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: 111].
النصر قادم لا محالة
ولقد جرت سُنة الله تعالى أن الأيام دُول والمعركة سِجال بين الحق والباطل، فالنصر قادم لا محالة، وحينها ستزول آلام الأمة ويضمد جراحها، لكن لا بد من ضريبة تُؤدى وكيلٍ يُوفى لكي يكون نصرًا عزيزًا، ولكي يكون لمَن يستحقونه ويعرفون قدره فيعضوا عليه بالنواجذ، ويعرفوا أنّ الله تعالى ما نصرهم ومكَّن لهم إلا لينصر بهم دينه، وليقيم بهم شريعته، وليهزم بهم عدوه وعدوهم.
وتنوَّعت الأدلّة في القرآن والسنة، التي تؤكّد انتصار أمّة الإسلام، قال سبحانه: ﴿إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنوا فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ يَقومُ الأَشهادُ﴾ [غافر: 51] وقال: ﴿وَلَقَد سَبَقَت كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا المُرسَلينَ * إِنَّهُم لَهُمُ المَنصورونَ * وَإِنَّ جُندَنا لَهُمُ الغالِبونَ﴾ [الصافات: 171-173] وقال : ﴿هُوَ الَّذي أَرسَلَ رَسولَهُ بِالهُدى وَدينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾ [التوبة: 33].
وأكد القرآن الكريم، فشل أعداء الأمّة في محاولاتهم لإطفاء نور الوحي والرسالة، قال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [التوبة: 32] وقال في الكافرين: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [آل عمران: 12] وقال في المنافقين: ﴿لَئِن لَم يَنتَهِ المُنافِقونَ وَالَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ وَالمُرجِفونَ فِي المَدينَةِ لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم ثُمَّ لا يُجاوِرونَكَ فيها إِلّا قَليلاً * مَلعونينَ أَينَما ثُقِفوا أُخِذوا وَقُتِّلوا تَقتيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلاً﴾ [الأحزاب: 60-62].
وحذر القرآن من الهوان والهزيمة والاستسلام، فقال تعالى: ﴿وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا وَأَنتُمُ الأَعلَونَ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ﴾ [آل عمران: 139] وحذّر من استبطاء النصر واستعجال النتائج، قال سبحانه: ﴿أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ﴾ [البقرة: 214].
ومن يشكك في موعود الله، يجد قوله سبحانه: ﴿وَإِذ يَقولُ المُنافِقونَ وَالَّذينَ في قُلوبِهِم مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسولُهُ إِلّا غُرورًا﴾ [الأحزاب: 12]، وقال لنبيه- صلى الله عليه وسلم- مرارًا: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [الروم: 60].
وأشار القرآن إلى طبيعة معادلة القوّة بين أهل الإسلام وأعدائهم، قال تعالى: ﴿قَد كانَ لَكُم آيَةٌ في فِئَتَينِ التَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ وَأُخرى كافِرَةٌ يَرَونَهُم مِثلَيهِم رَأيَ العَينِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصرِهِ مَن يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأَبصارِ﴾ [آل عمران: 13].
وهذا الوعد بالنصر أكده النبي- صلى الله عليه وسلم-، فعن ثوبان- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ وفي رواية: وهُمْ كَذلكَ” (رواه مسلم).
وعن أُبي بن كعب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالتيسيرِ، والسناءِ و الرِّفعةِ بالدِّينِ، والتَّمكينِ في البلادِ، والنصرِ، فمن عمِل منهم بعملِ الآخرةِ للدُّنيا، فليس لهُ في الآخرةِ من نصيبٍ” (أحمد وصححه الألباني).
وهذا الوعد الحق آمن به الصحابة الكرام والتابعون والصالحون، فها هو عمير بن الحمام في غزوة بدر، حينما انطلق رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، حَتَّى سَبَقُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَى بَدْرٍ، وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: “لًا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى أَكُونَ أَنَا دُونَهُ”، فَدَنَا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم-: “قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ”، قَالَ: -يَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الأَنْصَارِيُّ:- يَا رَسُولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، قَالَ: بَخٍ. بَخٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ. بَخٍ؟) قَالَ: لَا وَاللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، إِلاَّ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ: (فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا)، قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ، ثُمَّ قَالَ:” لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ، قَالَ: فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ، ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ، رَحِمَهُ اللَّهُ. (رواه مسلم).
ولمّا أراد سعد بن أبي وقاص- رضى الله عنه- أن يعبر دجلة إلى المدائن، وقطع الفُرْسُ عليه الجسر، وحازوا السفن؛ نظر سعد في جيشه، فلما اطمأن إلى حالهم، اقتحم الماء، فخاض الناس معه، وعبروا النهر فما غرق منهم أحد، ولا ذهب لهم متاع، فعامت بهم الخيل وسعد يقول:’ حسبنا الله ونعم الوكيل، والله لينصُرَّنَ الله وليَّه، وليُظْهِرَنَّ الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بَغْيٌ أو ذنوب تغلب الحسنات”.
وقال الواحدي: “النصر قد يكون بالحجة، ويكون بالغلبة والقهر، ويكون بإهلاك العدو، وكل هذا قد كان للأنبياء والمؤمنين من قِبَل الله تعالى، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم، وقد نصرهم الله بالقهر على مَن ناوأهم، وقد نصَرهم بإهلاك عدوِّهم، وأنجاهم مع مَنْ آمن معهم، وقد يكون نصرٌ بالانتقام لهم، كما نصر يحيى بن زكريا لما قُتِل، حتى قُتِل به سبعون ألفًا، فهم لا محالة منصورون في الدنيا بأحد هذه الوجوه”.
وقال ابن تيمية- رحمه الله-: “الله تعالى قد يُديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع عدوهم، لكن العاقبة للمتقين.. وإذا كان في المسلمين ضعف، وكان عدوهم مستظهرًا عليهم، كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنًا وظاهرًا، وإما لعدوانهم بتعدِّي الحدود باطنًا وظاهرًا”.
أما الإمام ابن القيم- رحمه الله- فقال: “سأل رجل الشافعيَّ فقال: يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل: أن يُمكَّن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكَّن حتى يُبتلى؛ فإنَّ الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- فلمَّا صبَروا مكَّنهم، فلا يظنن أحَد أن يخلص من الألَم البتة”.
إنّ نصر الله قادم، لكنه لن يتحقق حتى تؤدي الأمة تكاليفه كاملة، وحتى تتأهب الأمة ماديًّا ومعنويًّا لتحقيقه، ليس هذا فحسب، بل وحتى تخطط لكيفية استثماره والدفاع عنه والمحافظة عليه، وحينها ستزول آلام الأمة وتأتي الآمال بالنصر المبين.
المصادر والمراجع:
- يحيى بن موسى الزهراني: واقع المسلمين اليوم.
- محمد عبد الرحمن صادق: نصر الله قادم لا محالة… ولكن!
- إسلام ويب: الأمة الإسلامية لن تموت ولن تهزم.
- طريق الإسلام: واقع الأمة.
- سامي بن خالد الحمود: آمال الأمة والمؤتمر الإسلامي.
- الواحدي: الوسيط 4 /17، 18.
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى 11/645.
- ابن القيم: الجواب الكافي، ص 132.
- الطبري: تاريخ الطبري 2/462.